عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَلْعُون من أكْرم بالغنى وأهان بالفقر وَهَذَا من قلَّة معرفتهم بتأويله فَإِنَّهُم لَو نظرُوا إِلَيْهِم بِمَا ألبسوا من ظله لشغلوا عَن جَمِيع مَا هم فِيهِ وَلم يضرهم اختلاطهم وبهذه الْقُوَّة كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والتابعون من بعدهمْ بِإِحْسَان يلقون الْأُمَرَاء الَّذين قد ظهر جَوْرهمْ ويقبلون جوائزهم ويظهرون الْعَطف عَلَيْهِم والنصيحة لَهُم
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فتأويله أَن الَّذِي يعظم فِي عينه حطام الدُّنْيَا وَبَاعَ آخرته بدنياه من المنافسة فِي الدُّنْيَا وَالرَّغْبَة فِيهَا وَعظم شَأْن الْأَغْنِيَاء فِي عينه لما يرى عَلَيْهِم من الدُّنْيَا فيعظمهم ويتملقهم ويكرمهم تكريما وتعظيما لما فِي أَيْديهم وَإِذا رأى من قد منع هَذَا وزويت عَنهُ الدُّنْيَا ازدراه وحقره فلغلبه الشَّهَوَات يعظم أَبنَاء الدُّنْيَا ويحقر أَبنَاء الْآخِرَة فَهُوَ مستوجب لعنة الله تَعَالَى لِأَنَّهُ مفتون يكرم مفتونا فَأَما عبد دقَّتْ الدُّنْيَا فِي عينه ورحم أهل الْبلَاء فَهُوَ يرى الْغَنِيّ مبتلى بغناه قد تراكمت عَلَيْهِ أثقال النِّعْمَة وغرق فِي حِسَابهَا وَعَلِيهِ وبالها غَدا فيرحمه فِي ذَلِك كالغريق الَّذِي يذهب بِهِ السَّيْل فَإِذا لقِيه أكْرمه وبره على مَا عوده الله تَعَالَى إبْقَاء على دينه لِئَلَّا يفْسد فَإِنَّهُ قد تعزز بدنياه وتكبر وتاه ويعظم ذَلِك فِي نَفسه فَإِذا حقرته فقد أهلكته لِأَن عزه دُنْيَاهُ فَإِذا أسقطت عزه فقد سلبته دُنْيَاهُ وَهَذِه محاربه لَا عشرَة فَعَلَيْك أَن تبره وتكرمه مداريا لَهُ على دينه ورفقا بِهِ وترحمه بقلبك وَقد صغر فِي عَيْنَيْك مَا خوله الله تَعَالَى من الدُّنْيَا وَهَذَا فعل الأنيباء والأولياء وَبِذَلِك أوصى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِذا جَاءَكُم كريم قوم فأكرموه
أَرَادَ من عوده قومه الاكرام من غير أَن ينسمه إِلَى دين أَو صَلَاح فَإِذا