النُّفُوس سلوك طَرِيق ذَلِك التَّدْبِير وعرفوه ووطنوه ثمَّ لَهُ تَعَالَى فِي ذَلِك التَّدْبِير تَدْبِير آخر مُخْتَصّ
فَأهل الضّيق يتحيرون ويضيقون وَمن عاين الصنعين والتدبيرين لم يضق وان لله عز وَجل فِي كل تَدْبِير مَشِيئَة إِن شَاءَ أَمْضَاهُ وَإِن شَاءَ أَخّرهُ فالتدبير الَّذِي قد وَطنه النَّاس ان يكون بِالْوَلَدِ من ذكر وانثى فاختص الله تَعَالَى لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام تدبيرا فَحملت بِهِ مَرْيَم من غير ذكر فتحير فِيهِ عُلَمَاء ذَلِك الزَّمَان وَأَحْبَارهمْ وَهلك فِيهِ الْعَام والسفهاء وَأدْركَ مَرْيَم رَضِي الله عَنهُ بعض تِلْكَ الْحيرَة فَقَالَت
أَنى يكون لي ولد وَلم يمسسني بشر وَلم أك بغيا {قَالَ كَذَلِك الله يخلق مَا يَشَاء}
فَأَبْصَرت وأذعنت لحكم رَبهَا تَعَالَى وتقدس فاستوجبت بذلك أَن أثنى عَلَيْهَا رب الْعَالمين فَقَالَ وصدقت بِكَلِمَات رَبهَا وَقَالَ وامه صديقَة
وَكَذَلِكَ فعل زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام فِيمَا بشر بِهِ من الْوَلَد بعد الْكبر وَكَذَلِكَ رزق مَرْيَم رَضِي الله عَنهُ {كلما دخل عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب وجد عِنْدهَا رزقا قَالَ يَا مَرْيَم أَنى لَك هَذَا قَالَت هُوَ من عِنْد الله إِن الله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب}
فقد علم النَّاس أَرْزَاقهم من مظانها من السُّوق وَمن الكدح وَمن