قُلُوبهم حَيَّة بِاللَّه على الصّفة الَّتِي وَصفنَا بدءا فَمنهمْ الصديقون أَوْلِيَاء الله يتمنون الْمَوْت لحب الله قَالَ الله تَعَالَى فِي تَنْزِيله حِين ادَّعَت الْيَهُود ولَايَته فَقَالَ {قل يَا أَيهَا الَّذين هادوا إِن زعمتم أَنكُمْ أَوْلِيَاء لله من دون النَّاس فتمنوا الْمَوْت إِن كُنْتُم صَادِقين} ثمَّ قَالَ {وَلَا يتمنونه أبدا بِمَا قدمت أَيْديهم}
ثمَّ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَاف الَّذين ذكرهم فِي الحَدِيث هم فِي الْغَيْب فِي ذَلِك الْعرض قد اثبتت أَسمَاؤُهُم فِي الشُّهَدَاء لذَلِك الْمحل وَالْعرض فوفق الله لَهُم هَذِه الْأَحْوَال فَمن غرق فَأخذ المَاء بِنَفسِهِ كَانَت موتته موتَة وحية أَي سريعة بِلَا لبث فبذل نَفسه لما أيس من الْحَيَاة وَاخْتَارَ لِقَاء الله وَكَذَلِكَ صَاحب الْحَرِيق وَصَاحب الْهدم وَالنُّفَسَاء بِجمع إِذا نشب الْوَلَد فِي الْبَطن ايست من الْحَيَاة وآثرت لِقَاء الله وَكَذَلِكَ المطعون
وَسُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الطَّاعُون فَقَالَ وخز أعدائكم من الْجِنّ فَذَاك قَتِيل الْجِنّ يائس صَاحبه من الْحَيَاة فَكَذَلِك المبطون وَصَاحب ذَات الْجنب وَهُوَ صَاحب السل قد أيسا من الْحَيَاة لِأَن قُوَّة الْحَيَاة قد ذهبت من المبطون والمسلول وَقد أحست نفوسهما بِالْمَوْتِ وَكَذَلِكَ الْغَرِيب إِذا أشرف على الْمَوْت فَلم ير أَهله وَولده وَلَا أحبابه تمنى الْمَوْت وبذل نَفسه لِأَن هَؤُلَاءِ إِذا كَانُوا بالحضرة اشْتَدَّ على النَّفس فراقهم فأحبوا الْحَيَاة فَفِي هَذَا نُقْصَان وَلذَلِك تعوذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أعوذ بك من حب الْعَيْش عِنْد حَضْرَة الْمَوْت فَإِذا أحب أَن يعِيش فِي ذَلِك الْوَقْت الَّذِي دَعَاهُ الله إِلَيْهِ فَتَلَكَّأَ وَتردد فَذَاك عيب وَنقص فأصحاب الْفرش فِي هَذَا الْعَيْب لَا يتمنون الْمَوْت إِذا حضر لحب الْعَيْش