وَفِي التَّأْلِيف مُخْتَلفَة قدم الْعين هُنَا وَأخر الْعين هُنَاكَ ليستعمل هَذَا فِي عَطاء العبودة وَيسْتَعْمل ذَاك فِي عَطاء الْأَشْيَاء الْمَمْلُوكَة وَالْمَعْصِيَة من التعصيص وَهُوَ اشتداد النَّفس وامتناعها وَمِنْه سمي الْعَصَا يُقَال فِي اللُّغَة تعيص عَلَيْهِ أَي امْتنع وتشدد
وَأما الْقُنُوت فَهُوَ الركود وكل شَيْء اسْتَقر فِي مَكَانَهُ فَلم يَتَحَرَّك فَهُوَ راكد وَمن ذَلِك سمي المَاء راكدا إِذا أمسك عَن الجري والسفن رواكد قَالَ الله تَعَالَى {إِن يَشَأْ يسكن الرّيح فيظللن رواكد على ظَهره} يُقَال قنت ونتق والنتوق أَن يُقَابل الشَّيْء بالشَّيْء راكدا عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذ نتقنا الْجَبَل فَوْقهم كَأَنَّهُ ظلة}
وَمِنْه قَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ حَيْثُ سُئِلَ عَن الْبَيْت الْمَعْمُور فَقَالَ هُوَ بَيت فِي السَّمَاء السَّابِعَة نتاق هَذَا الْبَيْت أَي بحذائه
والقنوت مُقَابلَة قَلْبك عَظمَة من وقفت لَهُ وَبَين يَدَيْهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِذا صلى العَبْد أقبل الله عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ
فَمن حق إقباله عَلَيْهِ أَن يقبل العَبْد بِقَلْبِه على عَظمته وجلاله فَهَذِهِ مُقَابلَة العَبْد بِقَلْبِه قبالة ربه فَهَذَا الْقُنُوت ومرجعه إِلَى مَا كشفه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هُوَ الطَّاعَة لِأَنَّهُ إِذا قابله بِقَلْبِه فقد أعطَاهُ بذل النَّفس فقد أطاعه وَإِنَّمَا صَار إِذا قابله باذلا لنَفسِهِ لِأَن الْقلب إِذا لاحظ ببصر فُؤَاده جَلَاله وعظمته خلص إِلَى النَّفس هول الْجلَال وَالْعَظَمَة فانقبضت وانقمعت وانخشعت وذهلت عَن هشاشتها وخمد تلظي نيران شهواتها لما أحست بِهِ