يقمعها بِمَنْزِلَة مَا ضربنا لَهُ من الْمثل الْخَارِجِي إِذا سمع أَن جَيش أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أقبل هرب عَن الْبَلَد وخلى عَنْهَا وَخرج الْأَمِير من السجْن فَقعدَ فِي إمرته واحتوشته الْجنُود وَفرق الْأَمْوَال والكنوز الَّتِي جَاءَتْهُ من أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي جنده وَقصد الْخَارِجِي يحاربه ويتباعد قَلِيلا قَلِيلا والأمير خَائِف مَعَ هَذَا الْجند لَا يَأْمَن بياته وافتراصه فَهُوَ مَشْغُول بحرس جنده وَنَفسه وَيسْأل أَمِير الْمُؤمنِينَ زِيَادَة فِي مدده فَلَا يزَال يمده حَتَّى إِذا أمده بغاية المدد أَخذه أَسِيرًا وَيكون الْخَارِجِي قد نظر إِلَى كَثْرَة المدد فَعلم أَنه لَا يُقَاوم أَمِير الْمُؤمنِينَ فَألْقى بِيَدِهِ سلما وَأسلم وَتَابَ على يَدي أَمِير الْمُؤمنِينَ فَهَذِهِ صفة التائب إِذا تَابَ احْتَاجَ إِلَى مجانبة النَّفس ومجاهدتها فِي كل أَمر فَلَا يزَال كَذَلِك ويزداد مدَدا وَهُوَ لَا يأمنها مَعَ ذَلِك المدد يخَاف أَن يثب وثبة من زَوَايَا جَوْفه فَيَأْخذهُ لِأَن مكْرها أعظم من أَن يُوصف حَتَّى تجلى لِقَلْبِهِ شَأْن الملكوت وأشرق فِي صَدره أنوارها فَامْتَلَأَ صدر العَبْد من جلال الله وعظمته فبسلطان الْجلَال يأسر النَّفس ويسبيها وبالعظمة يولهها فإمَّا أَن يَأْخُذهَا بِتِلْكَ الْقُوَّة فيحبسها حَتَّى تَمُوت فِي سجن الْقلب غما وَإِمَّا أَن تلقي بِيَدَيْهَا سلما وتذعن للقلب وتنقاد لَهُ فَتَصِير فِي يَدي الْقلب كالأسير حَتَّى إِذا وجدت تِلْكَ اللَّذَّات الَّتِي وَردت على الْقلب من تِلْكَ الملكوت من العطايا اعتصمت بِالْقَلْبِ فَتركت لذاتها الفانية الدنية فَعندهَا وصل العَبْد إِلَى أَوَائِل العبودة وَوضع فِي هَذَا القالب الْحَيَاة والحياة فِي الرّوح وَالنَّفس وهما ريحَان إِحْدَاهمَا أرضية وَالْأُخْرَى سَمَاوِيَّة فالحياة هَهُنَا فِي الرّوح وَالنَّفس والجسد قالب فَإِذا خرجا بَقِي القالب لَحْمًا مواتا وحياة الْآخِرَة فِي كل شَيْء مِنْهُ فَكل شَيْء مِنْهُ حَيّ من قرنه إِلَى قدمه كل شَعْرَة وكل ظفر حَيّ بحياته وَذَلِكَ إِذا شربوا مَاء الْحَيَاة بِبَاب الْجنَّة قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن الدَّار الْآخِرَة لهي الْحَيَوَان لَو كَانُوا يعلمُونَ}