وصنعه وَبِه عرف جَوَاهِر الْأُمُور من أَمر الدّين وَالدُّنْيَا وَبِه نَهَضَ إِلَى ربه وَذَلِكَ النهوض اسْمه على أَلْسِنَة الْخلق النِّيَّة من قَوْله ناء ينوء أَي نَهَضَ ينْهض وَإِنَّمَا ينْهض بِقَصْدِهِ وإلقاء همته لَا أَنه ينخلع عَن مَكَانَهُ فهمه وقصده نِيَّته وَهِي النهوض عَن سكونه فهم الْقلب يطير إِلَى الله بِنور الْعُقُول الَّتِي لَهَا كل على قدر حَظه من الْعقل الَّذِي قسم لَهُ ربه وَبَين الْقسم تفَاوت وَإِنَّمَا تفاوتت الرُّسُل والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام وَمن دونهم من الْمُوَحِّدين فِي منَازِل الدّين وَفِي دَرَجَات الْجنان غَدا بتفاضل الْعُقُول فالعبادة وَالِاجْتِهَاد فِيهَا من ذَات النَّفس مَا هُوَ وبال على صَاحبه لِأَن ذَات النَّفس هُوَ الْهوى الَّذِي حذرنا أَتْبَاعه فِي التَّنْزِيل فَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله}
فَإِذا كَانَت الْعِبَادَة وَالِاجْتِهَاد فِيهَا مخرجها من تَدْبِير الْعقل استقام الْأَمر وصفت الْعِبَادَة وَذهب الْجهد من ضيق النَّفس وعسرتها والهوى يضيق أمرهَا عَلَيْهَا فَإِذا كَانَ الْعقل ولي الْقلب غَالِبا للهوى فالهوى مقضي مدحور وَالْقلب آمُر مؤمر عدل فِي إمارته فَلَا يسْتَعْمل جارحة إِلَّا بِمَا يدبر لَهُ الْعقل وَلذَلِك كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سمع بِعبَادة رجل سَأَلَ عَن عقله فَإِذا كَانَ الْعقل مَغْلُوبًا كَانَ الْقلب أَسِير الْهوى وَالنَّفس فَهُوَ وَإِن اجْتهد فِي الْعِبَادَة فعامة عِبَادَته خطأ وَجَهل كَمَا سبق فِي قصَّة جريج الراهب