جَمِيع الْأَشْيَاء قَائِمَة لَا يكون شَيْء إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا يقوم إِلَّا بِهِ وَلَا يَدُوم إِلَّا بِهِ فقلوب الْآدَمِيّين ونفوسهم معلقَة بالأسباب الَّتِي يرونها فَإِذا احتاجوا إِلَى شَيْء طلبُوا ذَلِك الشَّيْء من مظانه الَّذِي هُنَاكَ عاينوه فَمن الله على الْمُوَحِّدين بمعرفتهم أَن الرب وَاحِد والوله بالقلوب فِي الْحَوَائِج إِلَى الْوَاحِد الَّذِي اسْمه الله الَّذِي خرجت الْأَشْيَاء من ذَلِك الِاسْم
وَلذَلِك أمروا أَن يبدأوا فِي كل أَمر بقول بِسم الله كَأَنَّهُ يَقُول هَذَا الشَّيْء بِهَذَا الِاسْم خرج وَمن حرم الْمِنَّة بَقِي مَعَ الْأَسْبَاب قُلُوبهم معلقَة بهَا مَفْتُونَة فِيهَا فاتخذوا دونه أَوْلِيَاء فعبدوه ثمَّ قَالُوا {مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى} وَقَالَت الرُّسُل لَهُم {أتعبدون من دون الله مَا لَا يملك لكم ضرا وَلَا نفعا} حَتَّى قَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام {أُفٍّ لكم وَلما تَعْبدُونَ من دون الله} والأف كلمة للشتم والصنعة
وَأنزل على الْمُؤمنِينَ وَحيا يثبت قُلُوبهم وَيُعلمهُم الْحجَّة فَقَالَ {وإلهكم إِلَه وَاحِد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم} فَقَالَ الْمُشْركُونَ أرنا آيَة فَأنْزل الله تَعَالَى {إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار} إِلَى قَوْله {لآيَات لقوم يعْقلُونَ}
فَأعْلم أَن الْعقل يدل عَلَيْهِ فِيمَا أَرَاهُم من قدرته وَقَالَ {مَا اتخذ الله من ولد وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ}