آبق منخلع العذار مستبد حرون جموح إِذا أمره تثاقل وحرن وَإِذا نَهَاهُ جمح وَإِذا قسم لَهُ بِحسن تَدْبيره من الْأَحْوَال أرسل مشفريه كمشفري الْبَعِير وَعَبس وَجهه وانقبض انقباض الْقُنْفُذ وَإِذا حكم عَلَيْهِ التوى وذلل بقدميه الأَرْض فَهَذَا عبد دُنْيَاهُ وَعبد بَطْنه وَعبد فرجه وشهواته ومناه فَمَتَى يقدر هَذَا أَن يعظم حُقُوق الله ويعظم أمره ويتذلل لَهُ عبودة وَمَتى يصير هَذَا عَالما بِاللَّه عَارِفًا لَهُ وبمننه وإحسانه شاكرا خَاشِعًا خَائفًا لزوَال النِّعْمَة مستحييا مِنْهُ هَيْهَات مَا أبعد هَذَا فَهَذَا رَضِيع فِي المهد فَلْينْظر أَيْن يكون من تِلْكَ الْعَرَصَة الْعَظِيم شَأْنهَا وَمن تِلْكَ الصُّفُوف كَمَا يكون الصَّبِي من محافل الدُّنْيَا مَعَ مخاطه وأدناسه وأوساخه ولهوه ولعبه من وَرَاء الْبَاب لَا يعبأ بِهِ وَلَا يهيأ لَهُ مجْلِس وَالَّذِي فطم حَتَّى تأدب وشب وَأخذ الزِّينَة والهيئة والبهاء واللباس وَالْأَدب أَيْن يقْعد فَلذَلِك من فطم نَفسه عَن الشَّهَوَات وَعَن ارتضاع حلاوة الدُّنْيَا وَرمى بعلل نَفسه وَرفع باله عَن الْخلق مَاذَا يُقَال لَهُ وماذا يكون أعْتقهُ الله من رق النَّفس بأنوار الْهدى وحشا صَدره من أنوار الحظوظ ووسمه بسماته فالدنيا كلهَا تَحت قدمه والخلق من وَرَاء ظَهره وَالله نصب عينه يتخطى على أَعْنَاق الْخلق فِي الْموقف إِلَى الله يسْبق الصُّفُوف صفا صفا وَيُقَال لَهُ ادن حَتَّى يغبطه الناظرون إِلَيْهِ من أهل الْقرْيَة
وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو مَالك الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اعقلوا وَاعْلَمُوا أَن لله عبادا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاء وَلَا شُهَدَاء يَغْبِطهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاء لِمَكَانِهِمْ وقربهم من الله فَقَامَ أَعْرَابِي فَقَالَ يَا رَسُول الله من هم حلهم لنا فسر وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَوْل الْأَعرَابِي فَقَالَ هم قوم لم تصل مِنْهُم أَرْحَام مُتَقَارِبَة من أفناء النَّاس ونوازع الْقَبَائِل تحَابوا فِي جلال الله عز وَجل وتصافوا فِيهِ وتزاوروا فِيهِ وتباذلوا فِيهِ يضع الله لَهُم مَنَابِر من نور فَيَجْلِسُونَ عَلَيْهَا وَإِن ثِيَابهمْ لنُور ووجوههم نور لَا يخَافُونَ إِذا خَافَ النَّاس وَلَا يفزعون إِذا فزع النَّاس