فالدين هُوَ خضوع الْقلب مُشْتَقّ من الدون الوضوع فَإِذا تواضع الْقلب وخشعت النَّفس وَأَلْقَتْ بِيَدَيْهَا لله سلما فَذَلِك دين العَبْد فَإِذا أمره بِأَمْر ائتمر وَإِذا نَهَاهُ انْتهى وَإِذا قسم لَهُ من الدُّنْيَا قنع وَإِذا حكم عَلَيْهِ بِحَال رَضِي محبوبا كَانَ أَو مَكْرُوها فَهَذِهِ عبودة العَبْد وَإِنَّمَا قدر العَبْد على إِقَامَة العبودة فِي هَذِه الْأَشْيَاء بخشعة النَّفس وخضعة الْقلب وتواضعه فَذَلِك دينه وَإِنَّمَا قَالَ الْخلق وعَاء الدّين لِأَن ذَلِك الْخلق إِذا كَانَ للْعَبد مثل الْجُود والسخاء وَالْكَرم كَانَت النَّفس حرَّة من رق الْهوى وَالْقلب حرا من رق النَّفس فهان عَلَيْهِ التَّوَاضُع والخضوع لله والقناعة بِمَا قسم والرضاء بِمَا حكم والائتمار بأَمْره والانتهاء عَن نَهْيه وَإِنَّمَا يسر عَلَيْهِ إِقَامَة الدّين من أجل ذَلِك الْخلق فَإِذا كَانَ للْعَبد ذَلِك الْخلق كَانَ وعَاء لدينِهِ من ذَلِك الْخلق يخرج لَهُ الدّين وَهُوَ الخضوع والخشوع وبذل النَّفس لله وَاحْتِمَال أثقال الْمَكْرُوه وَلما كَانَ هَذَا الْإِسْلَام أشرف الْأَدْيَان أعطَاهُ أقوى الْأَخْلَاق وَأَشْرَفهَا وَهُوَ الْحيَاء

عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لكل دين خلقا وَخلق الْإِسْلَام الْحيَاء

وَالْحيَاء أَصله من الْحَيَاة فَإِذا حيى الْقلب بِاللَّه استحيى وَكلما ازْدَادَ حَيَاة بِاللَّه ازْدَادَ حَيَاء مِنْهُ أَلا ترى أَن المستحيي يعرق فِي وَقت الْحيَاء فعرقه من حرارة الْحَيَاة الَّتِي هَاجَتْ من الرّوح فَمن هيجانه يفور الرّوح بِتِلْكَ الْحَرَارَة فيعرق الْجَسَد مِنْهُ ويعرق مِنْهُ مَا علا لِأَن سُلْطَان الْحيَاء فِي الْوَجْه والصدر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015