فَهَذَا إِذا صَار الْمَشْي إِلَى جمَاعَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا خلقا فَكَذَلِك سَائِر الْأَخْلَاق لِأَن الْأَخْلَاق احْتِمَال أثقال المكاره وَالْمَشْي إِلَى الْجَمَاعَة احْتِمَال مَكْرُوه لِأَنَّهُ لَو شَاءَ صلاهَا فِي بَيته فَلَمَّا أَمر بِالْمَشْيِ إِلَى الْجَمَاعَة احْتمل أثقال الْمَكْرُوه فَقدر لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِقْدَار أَرْبَعِينَ يَوْمًا ليصير لَهُ خلقا وَيسْقط عَنهُ الأثقال لِأَن سوء الْخلق فِي طلب الرَّاحَة وَإِن هَذِه الْأَخْلَاق تفضل الله بهَا على عبيده على قدر مَنَازِلهمْ عِنْده فمنح أنبياءه مِنْهَا فَمنهمْ من أعطَاهُ مِنْهَا خمْسا وَمِنْهُم من أعطَاهُ مِنْهَا عشرا أَو عشْرين وَأكْثر من ذَلِك وَأَقل فَمن زَاد مِنْهَا ظهر حسن مُعَامَلَته ربه وَحسن مُعَامَلَته خلقه على قدر تِلْكَ الْأَخْلَاق وَمن نَقصه مِنْهَا ظهر عَلَيْهِ ذَلِك وَلذَلِك ابْتُلِيَ يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ حَتَّى صَار ذَنبا وسجنه فِي بطن الْحُوت حَتَّى طهره وَجعل مَا حل بِهِ موعظة للموحدين وَإِنَّمَا سَمَّاهُ آبقا فِي تَنْزِيله {أبق إِلَى الْفلك المشحون} لتضايق أخلاقه وَترك احْتِمَال أثقال الْخلق فِي ذَات الله تَعَالَى فعتب الله عَلَيْهِ ثمَّ اجتباه بعطفه وَرَحمته وهذبه بكرمه
وَرُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ بعثت لأتمم مَكَارِم الْأَخْلَاق
فأنبأنا فِي قَوْله هَذَا أَن الرُّسُل قد مَضَت وَلم تتمم هَذِه الْأَخْلَاق كَأَنَّهُ بقيت عَلَيْهِم من هَذَا الْعدَد بَقِيَّة فَأمر أَن يتممها فأعلمنا فِي قَوْله هَذَا أَن تِلْكَ الْأَخْلَاق الَّتِي كَانَت فِي الرُّسُل فِيهِ ثمَّ هُوَ مَبْعُوث لإتمام مَا بَقِي مِنْهَا ليقدم على الله بِجَمِيعِ أخلاقه الَّتِي ذَكرنَاهَا مائَة وَسَبْعَة عشر خلقا فَلَا يجوز لنا أَن نتوهم عَلَيْهِ أَنه بعث لأمر فَقدم على ربه وَهُوَ غير متمم