طُلُوع الشَّمْس وَترك إِجَابَة الْأُم فِي الصَّلَاة والغزو بِغَيْر إِذن أَبَوَيْهِ وَقبل ذَلِك احْتَاجَ إِلَى الْعدْل بِأَن يكون يُرِيد بِهِ وَجه الله فِي ذَلِك الْعَمَل فَإِذا عدل احْتَاجَ إِلَى الصدْق أَن لَا يلْتَفت إِلَى نَفسه فَيُوجب لَهَا ثَوابًا فتحتجب عَنهُ الْمِنَّة فَيصير معجبا فَإِذا صدق العبودة احْتَاجَ إِلَى الْأَدَب حَتَّى يعمله كَأَن الله يرَاهُ بوقار وسكينة وهيبة ويقظة فَإِن الْأَدَب بِسَاط الْعَمَل وَإِذا قَامَ الْأَدَب احْتَاجَ إِلَى اللبق وَإِنَّمَا يدْرك اللبق بحياة الْقلب بِاللَّه فَهَذَا الْكَامِل لِأَنَّهُ يعْمل على الْمُشَاهدَة على بَصِيرَة قَالَ الله تَعَالَى {بل الْإِنْسَان على نَفسه بَصِيرَة وَلَو ألْقى معاذيره} أَي لَا يقبل عذره لِأَنَّهُ أعطي البصيرة فأعماها بهوى النَّفس والبصيرة للقلب من نور معرفَة الْفطْرَة والعمى من دُخان النَّفس وحريق الشَّهَوَات وظلمتها
ثمَّ من الله على مختاريه من ولد آدم من كل ألف وَاحِد فَوضع فِيهِ الْخَيْر حَتَّى صَار مُخْتَارًا ثمَّ من عَلَيْهِ بِنور التَّوْحِيد وَفِي جَوف ذَلِك النُّور نور الْمحبَّة فَلَمَّا وجدت النَّفس حلاوة نور الْمحبَّة رفضت حلاوة عبَادَة الْأَوْثَان وقبح عِنْده الشّرك وقويت بصيرته فهتكت كل حجاب بَينه وَبَين ربه وصدرت أَعماله من صَدره إِلَى الْأَركان على مُشَاهدَة النَّفس ومعاينة الْقلب مَحل الْمَقَادِير وَالْقَضَاء من ملك الجبروت وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قل هَذِه سبيلي أَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَة أَنا وَمن اتبعني وَسُبْحَان الله وَمَا أَنا من الْمُشْركين}
فَلم يَجْعَل الدُّعَاء على بَصِيرَة إِلَّا لتابعي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتابعوه من هَاجر عَمَّا نهى الله عَنهُ وَنصر الْحق فِي كل موطن وَكَانَ لَهُ السَّبق فَهَذَا عبد قد رَضِي الله عَنهُ وَأَعْطَاهُ حبه فَأَحبهُ فاحتدت بصيرته حَتَّى انْتَهَت إِلَى الْمقَام بَين يَدي الله فباطن الْأَشْيَاء لَهُ مُعَاينَة كظاهر الْأَشْيَاء لأهل الْغَفْلَة