وَإِنَّمَا تلين الْقُلُوب لرطوبة الرَّحْمَة الَّتِي جَاءَت مَعَ الْمعرفَة لِأَن الْمعرفَة لَا ينالها العَبْد إِلَّا برحمة الله فَإِذا لَان الْقلب برطوبة الرَّحْمَة ورق الْفُؤَاد بحرارة النُّور ضعف الْقلب وذبلت النَّفس فَاحْتَاجَ إِلَى صلابة فَكَانَ من صنع الله تَعَالَى للْعَبد أَن أعطَاهُ من هَذِه الْأَنْوَار الثَّلَاثَة حَتَّى دَان الْقلب لله وَهُوَ نور الرَّحْمَة وَنور الْحَيَاة وَنور العظمة فبنور الرَّحْمَة يلين الْقلب وينقاد بِنور الْحَيَاة ينصب لله عبودة وبنور العظمة يتصلب وَيثبت إِذا جَاءَتْهُ أمواج الشَّهَوَات ليزيله عَن مركزه ومقامه لِأَن العَبْد دعِي إِلَى العبودة فَمن أجَاب ولان قلبه فَإِنَّمَا لَان وَأجَاب بِنور الرَّحْمَة الَّذِي ناله وَالَّذِي لم ينله ذَلِك قسا قلبه أَي يبس بِمَنْزِلَة غُصْن شَجَرَة يابسة إِذا مددته انْكَسَرَ فَإِذا كَانَ الْقلب رطبا فمددته انْقَادَ وانمال ثمَّ لما أَمر هَذَا العَبْد أَن يكون منتصبا بَين يَدي خالقه لعبودته أيد بِالْحَيَاةِ فِي كبده حَتَّى يتكبد ويقوى للانتصاب وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لقد خلقنَا الْإِنْسَان فِي كبد}
قَالَ منتصبا فقوة الْحَيَاة فِي الكبد وَمن تِلْكَ الْقُوَّة ينْتَصب قلبه لله تَعَالَى ثمَّ يحْتَاج إِلَى ثبات عِنْد الزلازل لِأَن الشَّهَوَات إِذا هَاجَتْ بأمواجها وهبوب رياحها فِي عروق النَّفس وَقعت الرجفة فِي النَّفس والزلزلة فِي الْقلب بِمَنْزِلَة سفينة فِي بَحر قد علت أمواجه فَصَارَت السَّفِينَة تتكفأ بِمَا فِيهَا فَكَذَلِك يصير الْقلب وَإِذا صَار هَكَذَا وَهن وذل فَيحْتَاج هَذَا الْقلب إِلَى ثبات فَإِذا أيد بِنور العظمة صلب وَثَبت
وَلذَلِك مَا رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ مَا رزق عبد شَيْئا أفضل من إِيمَان صلب
وَعَن سهل بن سعد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله فِي الأَرْض أواني