فما تركت مقامي حتى تكلمت مع ذلك الشاب النافر بمزيد من الحكمة والموعظة الحسنة فوجدته حديث عهد بمعرفة كتب السلف، فتدرجت معه، وتبين لي أن أقرانه استنفروه، فنفر وأن فيه اندفاعاً غير حميد فكلمته طويلاً فكان مما قلته له: " أما مسألة النزول إلى السجود فلا علاقة لها بالفقه وأصوله إلا من طرف يسير، وإنما تعلقها بالحديث وأصوله أكثر، فأنت تزري على أمثال هؤلاء السادة الأكابر بقولك " هم محدثون " وكأنها سبة لهم فبالله عليك ارفق بنفسك ولا تنظر إليهم النظر الشزر ولا ترمقهم بعين النقص ولا تعتقد فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا، حاشا وكلا، فما منهم من أحد إلا وهو بصير بالدين، عالم بسبيل النجاة.

فإني أحسبك لفرط هواك تقول بلسان الحال، إن أعوزك المقال: من المزي؟ ومن العراقي، وأي شيء الذهبي؟ وأيش ابن حجر؟ هؤلاء محدثون، ولا يدون الفقه وأصوله ولا يفقهون الرأي ولا علم لهم بالبيان والمعاني والدقائق، ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق، ولا يعرفون الله تعالى بالدليل ولا هم من فقهاء الملة. فأمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك. وابك على ما أخطأت فيه فإن العلم النافع ما جاء [إلا] عن أمثال هؤلاء، وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل. فمن اتقى الله راقب الله واعترف بنقصه.

ومن تكلم بالجاه أو بالجهل فأعرض عنه، وذره في غيه، فإنما عقباه وبال. فرحم الله امرءاً أقبل على شأنه وقصر من لسانه، وأقبل على تلاوة قرآنه وبكى على زمانه وأدمن النظر في الصحيح، وعبد الله قبل أن يبغته الأجل. اللهم فوفق وارحم " ((أ))

طور بواسطة نورين ميديا © 2015