دامس، ويكنى أبا الأهوال، كان أسود بصاصا كالنخلة السّحوقة «1» إذا ركب الفرس العالي تخطّ رجلاه بالأرض. وكان شجاعا قويا ذا حيلة وبراعة فطلب من أبي عبيدة أن يؤمّره على ثلاثين فارسا فأمّره. وقال له دامس: ترحل أنت بجيشك على فرسخ منا وتأمر جماعتك بقلة الحركة والاستتار ما استطاعوا، ويكون لك رجال ثقات يتجسّسون عن أخبارنا، فإذا بشّروك بظهورنا على أعدائنا «2» فتلحق بنا إن شاء الله تعالى.
فأجابه أبو عبيدة إلى ما طلب ونهض لوقته بجيشه وسار مسافة فرسخ كأنه يريد الانصراف. ونهض دامس بجماعته حتى أتوا كهفا في الجبل وكمنوا فيه ففرح الروم وظنوا أن المسلمين قد انصرفوا عن قتالهم وأرادوا أن ينزلوا من القلعة ويتبعوا المسلمين فنهاهم يوقنا. ولما كان الليل عمد دامس إلى جلد ماعز فألقاه على ظهره وأخرج كعكا يابسا وقال لأصحابه: اتبعوني. فسار نحو القلعة وأطار رجلين إلى أبي عبيدة ليبعث لهم الخيل عند طلوع الفجر. وصعد دامس ومن معه إلى الجبل تحت الظلام يمشي على أربع، وكلما أحس بشيء قرض في الكعك كأنه يقرض عظما، وأصحابه من ورائه يقفون أثره حتى لاصقوا السور، وكان الظلام شديدا، فأتى من السور مكانا قريبا قد نام حرسه واختار سبعة من رجاله أقوياء وجلس القرفصاء وأمر أحدهم أن يجلس على منكبيه ويعتمد بقوّته على الجدار، ففعل وأمر الثاني أن يفعل مثله.
ثم لم يزل يصعد واحدا بعد واحد إلى أن صعد الثامن فأمر أن يستوي قائما ثم أمر الثاني من تحته واحدا بعد واحد إلى أن قام هو، فإذا الثامن قد وصل إلى شرفة السور فتعلق بها واستوى على السور، فوجد حارس ذلك المكان نائما ثملا، فرماه إلى أصحابه ثم أدلى عمامته لصاحبه ونشله إليه ثم حذف لهما دامس حبلا وجعلوا ينشلون بعضهم إلى أن تكاملوا على السور، وكان آخرهم دامس، فاستبقاهم مكانهم وقصد بابي القلعة فرأى الحرس سكارى نائمين، ففتح البابين وتركهما مردودين وعاد إلى أصحابه وقد قرب الفجر، فأقام خمسة منهم على الباب وأرسل واحدا يستعجل خالدا، ومشى بالباقين نحو دار يوقنا، فصاحوا، وجاءتهم الأبطال وصاح يوقنا بأصحابه فأتوا من كل جانب وقاتلوا قتالا شديدا فلم يفدهم ذلك شيئا واشتبك الفريقان ببعضهما.