أول من أوطن هذا الصقع الآراميون، أي بنو آرام بن سام، وهم الكلدان ثم السريان.
وفي أثناء وجودهم في هذا الصقع كان فرار الخليل من النمرود فجاء إلى حلب وبقي فيها مدة ثم قصدت حلب إحدى طائفتي الحثيين، وهم من ولد حث بن كنعان، رابع أبناء حام، وكانوا يسكنون جبال أمانوس فتغلبوا على الآراميين وطردوهم من صقع حلب وأسسو في هذه النواحي مملكة قوية كادت تضاهي المملكة المصرية في وقتها.
والحثيّون مختلف في جنسيتهم: فالجراكسة يزعمون أنهم هم الحثيّون، وبعضهم يرى أنهم هم اللاتين، ومن الناس من يزعم أنهم عرق تاتاري. والله أعلم.
امتدت سطوة الحثيين إلى جميع سوريا والجزيرة وبلاد اليونان وآسيا الصغرى وبلاد إيطاليا وتغلبوا على مصر. ويقال إن الملوك الرعاة فيها كانوا منهم. ثم إن ملوك مصر تغلبوا على الحثّيين في هذه الجهات وملكوها منهم، وهم تدمس الأول وتدمس الثاني، وذلك قبل الهجرة المحمدية بنحو 3708 سنة، أو أقل بنحو 15 سنة. ومن آثار أولئك المصريين في حلب الحجر الأسود المحرر بقلم الهيروكليف بجدار جامع القيقان الذي أشرنا إليه في الكلام على محلة العقبة في الجزء الثاني.
ثم إن الحثيين حاربوا المصريين وأخرجوهم من حلب وأصقاعها، فمشى عليهم تدمس الثالث وملك منهم صقع حلب وغيرها من بلاد سوريا فصالحوه على ما ملكه من بلادهم.
وبقيت بأيديهم إلى أن نقضوا الصلح في أيام رعمسيس الثاني فقصدهم مع من اجتمع إليه من سكان سوريا وتألب عليه بقية ملوكها وحشدوا لقتاله جيشا جرارا كان منه مع ملك حلب فقط ثمانية عشر ألف مقاتل. ونشبت الحرب بين الفريقين قرب بحيرة قادس أو