وثالثها: إنا لا نثبت [بالآية] إلا عدم الوجوب والحرمة قبل الشرع، فأما عدم ما سواهما فإنما يثبت بدليل آخر.
وأما المعقول: فهو أن الحكم يستدعي حاكمًا ولا حاكم قبل الشرع لما تقدم أن العقل لا يحسن ولا يقبح، وقد انعقد الإجماع على أنه لا حاكم سواهما فحينئذ يلزم أن لا يكون هناك حكم.
أما القائلون بالإباحة قد احتجوا بأمور:
أحدها: أنه لا معني للمباح إلا ما أعلم فاعله، أو دل على أنه لا حرج عليه في فعله ولا في تركه، وما نحن فيه دل العقل على أنه كذلك، فوجب أن يكون مباحًا.
أما الأول: فظاهر لمساعدة الخصم عليه.
وأما الثاني: فلأن الله تعالى خلق الطعوم في الأجسام مع إمكان أن لا يخلقها، فإما أن يكون له فيه غرض أو لا يكون.
والثاني: باطل، لأنه عبث وهو على الحكيم محال.
فيتعين الأول، وذلك الغرض يستحيل أن يكون عائدًا إلى الله لتنزهه عن ذلك فهو إذًا عائد إلى الغير. وهو إما إضراره أو إيقاعه، أو لا إضراره، ولا إيقاعه، والأول: باطل وفاقا.