وأما على رأي القائلين بالقدم فصعب اللهم إلا أن يراد من الحكم غير ما تقدم في أول الكتاب نحو أن يقال: المراد منه تعلق الخطاب بفعل المكلف فإن التعلق حادث فيستقيم على رأي من يقول بحدوثه أو كون الشخص مقولًا له: إن لم تفعل هذا الفعل في هذه الساعة أعاقبك، ومن المعلوم بالضرورة أن هذا المعنى لم يكن متحققًا في الأزل فثبت أن الحكم كان معدومًا في الأزل، ولأن المحكوم عليه كان معدومًا في الأزل فوجب أن لا يكون الحكم ثابتًا في الأزل؛ لأن ثبوت الحكم من غير ثبوت المحكوم عليه سفه وعبث وهو غير جائز على الحكيم وذلك يقتضي ظن بقائه على العدم؛ لما بينا أن الأصل في كل شيء دوامه واستمراره والعمل بالظن واجب لما تقدم.

وثانيها: أنه لو ثبت الحكم فإما أن لا يكون لمصلحة، ولا لدفع مفسدة، وهو باطل؛ لأنه عبث وسفه وهو غير جائز على الله تعالى.

أو لمصلحة عائدة إلى الشارع وهو أيضًا باطل لتنزهه عن ذلك.

أو لمصلحة تعود إلى العبد وهو أيضًا باطل؛ لأنه لا معنى للمصلحة إلا اللذة أو ما يكون وسيلة إليها ولا معنى للمفسدة إلا الألم، أو ما يكون وسيلة إليه والله تعالى قادر على تحصيل جميع المصالح ودفع جميع المفاسد من غير واسطة شيء فيكون توسيط شرع الحكم عبثًا ترك العمل به فيما توافقنا على وقوعه فيبقى في المختلف فيه على أصله ولا يخفى أنه مبني على التحسين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015