وأما المعقول فهو: أنه تعالى غني كريم، والعبد محتاج فقير، وإذا وقع التعارض بين هذين الجانبين كان التحامل على جانب الكريم أولى منه على جانب الفقير المحتاج.
واعلم أن هذا المذهب يرجع حاصله إلى أن الأصل في الملاذ: الإذن، وفي الآلام: الحرمة.
ولقائل أن يقول: أما هذا الأصل فقد تقدم الكلام فيه، وأما ما يخص ما ذكره في هذا المقام فهو: أن التحامل على جانب الغني الكريم إنما يكون أولى أن لو لم يكن في التحامل على المحتاج الفقير مصلحة له في معاده أو في ميزانه فأما بتقدير ذلك فلا نسلم ما ذكرتم؛ وهذا لأنه لا بدع في التزام الأثقل لمصلحة تربو على مشقة الالتزام بل ذلك أولى في نظر العقلاء فكان المصير إليه أولى.
واحتج عليه أيضًا: بأن الأخذ بالأخف أخذ بالأقل وقد ثبت وجوبه فكان الأخذ بالأخف واجبًا.
وجوابه: منع المقدمة الأولى؛ وهذا لأنه ليس من شرط الأخف أن يكون جزءًا من الأثقل حتى يكون الأخذ به أخذًا بالأقل بل قد لا يكون جزءًا منه وحينئذ لا يكون الأخذ به أخذًا بالأقل [لأن الأخذ بالأقل] إنما يجب إذا كان جزءًا من الأثقل كما تقدم في المثال المذكور، فأما إذا لم يكن كذلك فلا وحينئذ لا يكون الأخذ بالأخف أخذًا بالأقل على الإطلاق.
واحتج من قال: إن الأخذ بأثقل القولين واجب بقوله -عليه السلام- "الحق ثقيل مري والباطل خفيف وبي" ولأن الأثقل أكثر ثوابًا فكان المصير إليه واجبًا لقوله تعالى {فاستبقوا الخيرات} لأنه حينئذ يكون من جملة الخيرات.