قد عرفت أن المناسبة إما أن تكون في محل الضرورة، أو في محل الحاجة أو في محل التتمة والزينة.
فالمصلحة الواقعة في محل الحاجة والسمة والزينة لا يجوز الحكم بها؛ لأنه يجرى مجرى وضع الشرع بالرأي.
وأما الواقعة في محل الضرورة فلا يبعد أن يؤدى اجتهاد مجتهد إلى الحكم بها، ولعل ما نقل عن مالك- رحمه الله إن صح- محمول على هذه الصورة لكن بشرط أن تكون قطعية كلية.
فالحاصل أن المصالح المرسلة إذا كانت ضرورية، قطعية، كلية، تصلح أن تكون في محل الاجتهاد، لالا فلا.
مثاله: الكفار إذا تترسوا بأسارى المسلمين حيث يقطع بتسليط الكفار على المسلمين إذا امتنعوا عن قتالهم فهاهنا هل يجوز قصد التترس أم لا؟
يحتمل أن يقال: أنه لا يجوز؛ لأن تجويزه يقتضى تجويز قتل مسلم من غير ذنب صادر منه، وهو غير معهود من الشارع. ويحتمل أن يقال: بجوازه فإنا لو لم نقصد التترس، وامتنعنا من القتال بسببه لصدمونا، واستولوا على ديار المسلمين، وقتبوا كافة المسلمين وعامة المؤمنين ثم بعد ذلك يقتلون الأسارى: فهذه مصلحة ضرورية؛ فإنه حفظ النفس والمال من المصالح الضرورية، وهى أيضا قطعية الحصول إذ الكلام مفروض فيه، وهى أيضا كلية؛ إذ الكلام مفروض حيث يخاف منه استئصال شأفة المسلمين، ونحن نعلم أن حفظ كل المسلمين أقرب إلى مقصود الشارع من حفظ مسلم واحد فعلى هذا لو اختلف صفة من هذه الصفات الثلاث لم يجز الحكم به، فلو تترس الكفار بأسارى المسلمين في قلعة لم يجز قصد التترس؛ لأنه لا ضرورة فبنا غنية عن