وأما الحجة على الجبائي خاصة فهي: أن تكليف العامي بالفصل بين المسائل الاجتهادية، وبين غيرها تكليف له بتحصيل أهلية الاجتهاد، ضرورة أنه لا يفصل بينهما إلا أهل الاجتهاد، فيلزم المحذور المذكور من قبل، ولا شك أن تجويز التقليد له في الاجتهادية دون غيرها يقتضى تكلفه بالفصل/ (322/ أ) بينهما حتى يعلم ما يجوز له التقليد فيه وما لا يجوز له ذلك.
واحتج الجبائي على ما ذهب إليه: بأن الحق في المسائل الاجتهادية واحد متعين، فلو جوزنا له التقليد فيه لم نأمن من تقليد غير المحق بخلاف المسائل غير الاجتهادية؛ لأن كل قول فيها حق.
وجوابه: أنا لا نسلم ذلك؟ وهذا لأنا بينا أن المصيب واحد.
سلمناه لكن لا نأمن أيضًا في المسائل الاجتهادية من عدم اجتهاد المجتهد،
أو تقصيره فيه، أو أن يفتيه بخلاف اجتهاده.
فإن قلت: إن مصلحة العامي هو أن يعمل بما يفتيه المفتي وأن كان خطأ بسبب ما ذكرتم من الاحتمال.
قلت: كذلك الأمر في غير المسائل الاجتهادية وإن كان فيها من غير فرق ألبتة.
تنبيه: العامي إذا استفتى في حادثة فأفتى فيها بحكم معين، ثم وقعت له تلك الحادثة فإن لم يذكر الحكم وجب عليه الاستفتاء ثانيًا وفاقًا، وإن كان ذاكرًا له فهل يجب عليه إعادة السؤال فيما اختلفوا فيه.
فمنهم من أوجب عليه ذلك.
ومنهم من لم يوجب ذلك.