الاستفتاء والسؤال لكن عن الحكم فقط، أو عن الحكم والدليل؟ ووجه دلالة الدليل عليه؟
الأول ممنوع، والثاني مسلم، وما ذكرتم من الصعوبة واختلال نظام العالم فهو غير لازم. وبيانه: أن الذين لم يقولوا بجواز الأخذ بالفتيا من غير بيان مأخذه لم يقولوا بحجية الإجماع، وخبر الواحد، والقياس، وسائر الظواهر المحتملة، لاذا كان كذلك سهل الامر عليهم؛ وذلك لانهم حينئذ قالوا: أنه تقرر أن حكم العقل في المنافع الإباحة، وفى المضار الحرمة، فإن ورد نص قاطع المتن والدلالة في بعض الصور على خلاف هذا اتبع وإلا عمل بمقتضى حكم العقل.
فالعامي الذى نزل به الواقعة، إن كان فيه شيء من الذكاء والفطنة عرف حكم العقل فيها، وإن لم يكن فيه شيء من ذلك بل يكون في نهاية البلاد نبهة المفتي على حكم العقل فيها، وحينئذ لا يحتاج إلى المفتي في الصورة الأولى إلا في أن ينبهه أنه هل جاء في الواقعة نص قاطع المتن والدلالة أم لا، وفى الصورة الثانية يحتاج إلى هذا، وإلى أن ينبهه على حكم العقل، ومعلوم أن الاشتغال بمعرفة ذلك لا يمنعه عق الاشتغال بعمل المعاش وعمارة الدنيا.
سلمنا صحة دلالتكم لكنه يقتضى أن لا يجب النظر والاستدلال في أصول الدين، وأن يجوز فيه التقليد؛ لأنا نعلم قطعًا أن الصحابة والتابعين والسلف ما كانوا يلومون من لم يتعلم علم الكلام، بل ربما كانوا يلومون من يشتغل به ويخوض فيه.
وأيضًا لو وجب النظر والاستدلال فيه على جميع المكلفين ولم يجوز فيه التقليد للزم تعطيل أمور المعاش، واختلال نظام العالم كما ذكرتم بل أكثر، لأن غموض أدلة الاصول أكثر، والأسئلة والأجوبة فيه أشكل وأصعب، مع أنكم ساعدتمونا أنه لا يجوز فيه التقليد فكل ما هو جوابكم ثمة فهو جوابنا