وأما الأول وهو أنه يجوز معه الإخلال بنظر زائد يجب عليه فعله وهذا على قسمين: أحدهما: أن يعلم معه أنه انتهى في النظر إلى المرتبة التي يغفر له إخلاله بنظر ما بعدها [لأنه لو اقتصر على أقل المراتب لم يغفر له ما بعده، فما من مرتبة ينتهى إليها إلا ويجوز أن لا يغفر له ما بعدها] ولا تتميز له بعض تلك المراتب عن بعض.
وأيضًا: لو تميزت تلك المرتبة عن التي لا يغفر له ما بعدها لكان ذلك إغراء على الخطأ والمعصية، لأنه إذا انتهى إليها ترك النظر فيما بعدها لعلمه أنه لا مضرة عليه في ذلك مع كونه شاقًا عليه.
وثانيهما: أن لا يعلم ذلك بل يجوز في كل مرتبة أن لا يغفر له ما بعدها فحينئذ لا يقطع بكونه مغفورًا له، فثبت أنه لو كان مخطئًا لما حصل القطع بكون خطئه مغفورًا له لكن ذلك باطل، لأنهم أجمعوا من أن عصر الصحابة إلى زماننا هذا أن المجتهد مثاب ومغفورًا له ما أخل به من النظر فيلزم أن المجتهد ليس بمخطئ.
وجوابه: منع الملازمة، وهذا لأن المرتبة التي يغفر له إخلاله بنظر ما بعدها متميزة عن غيرها، وهى المرتبة التي يغلب التي على ظنه انتقاء قدرته على ما يزيد عليها، وعلى هذا التقدير سقط ما ذكروه مع أنه لو تميزت تلك المرتبة لكان ذلك إغراء على الخطأ والمعصية، لأنه لا يمكنه الإتيان بها بعده سواء تميزت أو لم تتميز فلا يمكن التكليف به لكونه غير مقدور ولا يكون تركه إغراء على المعصية والخطأ.
وأما من قال: إن لله تعالى في كل واقعة حكمًا معينًا، وعليه دليل يفيد القدر المشترك بين العلم والظن، وأن من لم يصادف ذلك الحكم أو إن صادف لكنه من غير بناء على الطريق فهو مخطئ فقد احتجوا بوجوه: