فإن قلت: لعل الخطأ في هذا الباب من الصغائر الحقيرة لكونه بذل الجهد في طلب الدليل ولم يجده فكان يجب أن يكون معذورًا، فإن لم يكن ذلك فلا أقل من أن يكون ذنبه صغيرًا حقيرًا فلذلك لم يثبت ما ذكرتم من الأحكام.
سلمنا أنه كبيرة، فلم لا يجوز أن يقال: هذه الامور إنما تلزم إن لو حصل في هذه المسائل طريق مقطوع به، فأما إذا لم يحمل ذلك لكثرة وجه الشبه وتزاحم جهات التأويلات والترجيحات صار ذلك سببًا للعذر وسقوط اللوم.
قلت: أجيب عن الأول: أنه لو كان خطـ لكان من باب الكبائر لا من الصغائر لأن تارك العمل بذلك تارك للعمل المأمور به فيكون مستحقًا للنار.
وهو ضعيف، أما أولاً: فلأنه ليس كل ما يستحق بسببه النار كبيرة، فإن بترك كل واحد من الواجبات، وارتكاب كل واحد من المحرمات النار مع أنه بكبيرة، بل جوابه أن يقال: إنا وأن سلمنا أن الخطأ فيه من باب الصغائر، لكن لا نسلم أن ما ذكرتم من الأحكام من مختصات الكبائر بل هي ثابتة للصغائر والكبائر، "فإن التمكين من تمشية. الباطل غير جائز سواء كان من باب الصغائر أو من باب الكبائر، وكذلك الافتاء بالباطل غير جائز سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، وكذا بقية اللوازم.
وعن الثاني: أن غموض الأدلة، وكثرة الشبه، وتزاحم جهات التأويلات في أصول الدين كثر مع أن الخطأ فيه [إما] كفر أو بدعة.