بعض فلنتكلم في أقسامها فنقول:

المناسبة التي في محل الضرورة راجحة على التي في محل الحاجة والزينة والتتمة، والتي من كمالات المصالح الضرورية راجحة على التي من أصول الحاجات هي وإن كانت تابعة والتي من أصول الحاجات أصلية مستقلة كنها ملحقة بأصلها التي في محل الضرورة ولهذا أعطيت حكمها، إلا ترى أنه يجب من الحد بشرب جرعة من الخمر ما يجب بشرب ما يسكر منها، وكذا ما يكون من كمالات الحاجة راجحة على التي في محل التتمة والزينة.

ثم التي في محل الضرورة كحفظ الدين راجحة على غيرها من المصالح الضرورية كحفظ النفس والعقل؛ لأن مقصوده وثمرته نيل السعادة الأبدية في جوار رب العالمين، ومعلوم أن شيئا من بقية الضروريات لا يجدى هذا النفع، ولأن سائر المقاصد والمطالب كحفظ النفس والعقل والنسب مقصودة من أجله على ما قال الله تعالى: {وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون}.

لا يقال: المناسبة التي في محل الضرورة كحفظ النفس أولى، لأن ذلك حق الآدمي، وحفظ الدين حق الله تعالى، وحق الآدمي مقدم على حق الله تعالى، لأنه مبنى على الشح والمضايقة، وحق الله تعالى مبنى على المسامحة والمساهلة، ولأن التحامل على جانب الغنى الكريم المستغنى عن كل شيء أولى من التحامل على جانب الفقير اللئيم المحتاج إلى كل شيء؛ ولهذا كان حق الآدمي مقدما على حق الله تعالى لما ازدحم الحقان في محل واحد وتعذر استيفاؤهما منه كما في الزكاة على الأظهر وكما إذا ارتد وقتل عمداً عدوانًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015