كقولهم: لما روى اختلاف نور القمر عند قربه وبعده من الشمس فإنه يحدس عند ذلك بأن نوره مستفاد من الشمس.
والصحيح أن بينهما فرقا من حيث المعنى أيضا. وهو أن الحدس إنما يكون فيما فيه سرعة الانتقال من الأقوال المؤثر بسبب الدوران ولا يشترط ذلك في التجربة فإن أكثر استعمالها في الأدوية والأغذية وخواص الأشياء، ومعلوم أن عليتها لا يعلم إلا بتكرر الفعل مرة بعد مرة، ومعنى الحدس في اللغة: ينبئ عن هذا الفرق وقد ظهر لك من هذا التقسيم معنى العلم والظن.
ثم اعلم أن الأصوليين اختلفوا في تصور العلم فمنهم من زعم أنه ضروري غني عن التعريف. واستدلوا عليه بوجهين:
أحدهما: أن كل واحد يعلم نفسه ضرورة، ويعلم أنه عالم بالضرورة، ومتى كان التصديق ضروريا كان ما يتوقف عليه ذلك التصديق أولى أن يكون ضروريا.
وثانيهما: أن غير العلم لا يعلم إلا بالعلم، فلو علم العلم بغيره لزم الدور. وهما ضعيفان.