فإن قيل: تدعى أن تلك الأدلة تدل على جريان القياس في الأحكام الشرعية مطلقًا سواء وجدت أركان القياس وشرائطه أو لم توجد، أو تدعى أن دلالتها عليه إنما هي عند حصول الأركان والشرائط، والأول ظاهر ولا يقوله عاقل، والثاني مسلم، لكن لا نسلم إمكان حصولها فيما نحن فيه.
سلمناه لكن لا نسلم حصولها فيما نحن فيه؛ وهذا لأن الحدود والكفارات، والتقديرات أمور مقدرة لا يهتدى العقل إلى تعقل المعنى الموجب لتقديرها فلا تعقل فيها العلة، وحينئذ لا يمكن أن يجرى القياس فيها.
وأما الرخص فهي منح من الله تعالى فلا يتعدى بها عن مواردها، وحينئذ يمتنع أن يقاس عليها، ثم ما ذكرتم معارض بوجهين:
أحدهما: أن القياس لا يفيد القطع بل يفيد الظن، فيحتمل أن يكون الأمر على خلاف ما اقتضاه وذلك شبهة وهى مسقطة للحد بعد ثبوت سببه للحديث، والإجماع فكيف يجوز إثبات سببه بالشبهة؟
وثانيهما: أن مدار القياس على الجمع بين المتماثلات، والتفريق بين المختلفات، على ما تبين ذلك من قبل، وشرعية الكفارات والحدود على خلاف هذا، فإن القاف بالزنا يوجد الحد، والقذف بالكفر مع أنه أعظم جريمة من الزنا لا يوجبه، والسرقة توجب القطع، ومكاتبة الكفار بما يطلع على عورات المسلمين مع أنها أعظم جريمة من السرقة لا توجبه، والقتل يوجب الكفارة، والكفر مع أنه أعظم جريمة منه لا يوجبها، والظهار لكونه منكرًا من القول وزورًا يوجب الكفارة، والشهادة بالزور في حقوق الله تعالى او في حقوق العباد مع حصول ما ذكر من العلة فيها لا يوجبها فيمتنع جريان القياس فيها.