إلا بعد العلم بالحكم فيه فإنه ما لم يعلم الحكم أولًا في محل النص لا يطلب علته ولا يمكن استنباطها ضرورة أنه لا طريق إلى استنباطها حيث لا حكم فإن طرق استنباطها كلها نحو الإيماء، والمناسبة، والدوران، والطرد وغيرها مخصوصة بصورة وجود الحكم لكن لا يمكن جعلها فرعًا بهذا الاعتبار، لأنه يقتضي اجتماع الأصل والفرع في محل واحد وهو باطل وفاقًا فثبت أنه لا يمكن جعل العلة فرعًا لا في محل الوفاق ولا في محل الخلاف بل هي أصل في محل الخلاف، وهذا إنما يتأتى على رأي من يجعل الحكم في محل النزاع فرعًا وهو الصحيح، فأما من يجعل المحل فرعًا فلا؛ لأن العلة ليست أصلًا للمحل بوجه من الوجوه حتى يمكن جعلها أصلًا في الفرع بل هي فرع له لكونها صفة له وهذا يضعف مذهب الفقهاء في أنهم جعلوا المحل فرعًا فإن العلة أصل في الفرع.

ثم أعلم أنا قد ذكرنا أن لما ذهب إليه الفقهاء من تسمية المحل أصلًا وجهًا على تقدير أن يكون الأصل هو الحكم الحاصل في محل الوفاق فذلك الوجه يضعف في تسمية محل الخلاف فرعًا على تقدير أن يكون الفرع هو الحكم الحاصل في محل الخلاف؛ لأن محل الوفاق أصل للحكم الذي هو أصل القياس فيكون أصلًا للأصل فيكون أصلًا، لأن أصل الأصل أصل بخلاف محل الخلاف فإنه أصل الفرع فلا يلزم أن يكون فرعًا؛ لأن أصل الفرع لا يلزمه أن يكون فرعًا فكان تسمية محل الوفاق بالأصل أولى من تسمية محل الخلاف بالفرع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015