والأول ممنوع؛ وهذا فإن اللفظ وإن أن ظاهرا فيه من حيث الوضع لكن سياق الآية يدل على أن المراد منه الإنذار المرتب على التفقه؛ لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية، والإنذار المرتب على التفقه إنما هو الفتوى لا الرواية؛ لأن رواية غير الفقيه مقبولة بالاتفاق.
والثاني مسلم ونحن نحمله على الإنذار الحاصل من الفتوى، وقول الواحد فيه مقبول بالاتفاق فإن قلت: الحمل على الفتوى يوجب تخصيص القوم بالعوام؛ إذ ليس لغيرهم العمل بفتوى الغير، والتخصيص خلاف الأصل فلا يصار إليه من غير دليل.
قلت: الحمل على الرواية يوجب تخصيص القوم بالمجتهدين أيضا فلا يجوز لغيرهم العمل بالحديث المروي عنه - عليه السلام - فإن وظيفتهم التقليد فالتخصيص إن لزم فهو لازم على المذهبين، فلم قلتم أن تخصيصكم أولى وعليكم الترجيح؟ ثم أنه معنا؛ لأن التخصيص كلما كان أقل كان أولى وأوفق للأصل ولا شك أن المجتهد أقل من غيره، فإخراجه من إرادة اللفظ أولى من إخراج غيره.
سلمنا أن المراد منه مطلق الإنذار، لكن لا شك أن مطلق الإنذار قدر مشترك بين الإنذار بالفتوى، وبين الإنذار بالرواية بدليل صحة تقسيمه إليهما، ولأن من أتى بفعل محرم، فروى له إنسان خبرا بأن فاعله في النار فقد يقال أنذره؛ لأنه أتاه بخبر مخوف، والأمر بالماهية الكلية المشتركة بين جزئيات كثيرة ليس أمرا بتلك الجزئيات بأسرها، ولا بشيء من جزئياتها عينا بل هو أمر بإدخال الماهية في الوجود، ويكفي في ذلك الإتيان بجزئي واحد من جزئياتها؛ لأنه إذا كان المطلوب إدخال القدر المشترك في الوجود، والقدر المشترك حاصل في كل جزئي من جزئياته، فإذا أدخله في الوجود فقد حصل المطلوب ونحن إذا قلنا بكون الفتوى حجة كان ذلك كاف في العمل بمقتضى النص فلا يبقى للنص دلالة على وجوب العمل بالرواية.
سلمنا أن المراد من الإنذار: الرواية إما وحدها فقط، أو مع الفتوى لكن