الجاحظ، ولا يخفى على منصف أن تقدير هذه المقدمات على وجه يلزم منه صدق الخبر المتواتر يقينا لو أمكن. فإن تقسيماته كلها غير مترددة بين النفي والإثبات، والدليل الدال على فساد الأقسام الغير مطلوبة غير يقيني لا يتأتى من الصبيان والبله ولا هو حاضر في ذهنهما مع أن العلم بخبر التواتر حاصل لهم، وهو دليل قاطع على أن العلم به غير مستفاد من هذه المقدمات، وكيف لا وكل واحد من الناس يقطع بأن علمه بما سمع من البلدان النائية والأشخاص الغائبة أظهر من علمه بصحة هذه المقدمات، وبناء الواضح الجلي على الخفي غير جائز في العقل.

[تنبيه]

ثم إن قيل: أن العلم الحاصل عقيب الخبر المتواتر نظري فهو بطريق التوليد والتولد عند القائلين بهما كما في سائر العلوم النظرية لا يتجه فيه خلاف على رأيهم كما في سائر العلوم النظرية.

وأما إن قيل بأنه ضروري فهذا ينبغي أن يكون محل الخلاف فيما بينهم.

فمن قائل نظر إلى أنه ضروري فهو كسائر البديهيات المخلوقة من جهة الله تعالى، ولأن كل ما لا ينسب إلى الجهة كالحركات، والاعتمادات، ولا له تأثير في النفس بالفعل والانفعال كالإغضاب، والإرعاب، والتهجين، والتخجيل، فإنه لا يولد في غير محله شيئا للاستقراء، والخبر المتواتر ليس من الأمور التي تنسب إلى الجهة، ولا يلازمه تأثر النفس به بالفعل والانفعال فوجب أن لا يولد علما.

ومن قائل نظر إلى أنه مترتب على فعل اختياري للحيوان فوجب أن يكون بطريق التوليد والتولد كسائر المسببات المترتبة على أسبابها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015