صدوره من جمع كثير محال عادة كاتفاق الجمع الكثير على أكل طعام واحد في ساعة معينة.
وأما ثالثا: فلأنا وإن جوزنا ذلك لكن عندما لا يكون المانع من الفعل متحققا، وأما ها هنا فالمانع منه موجود وهو كونه كذبا فإن كونه كذبا جهة صرف اتفاقا سواء.
قيل بالتحسين والتقبيح العقلي أولا، والفعل يستحيل وجوده مع المانع إلا لمعرض أقوى منه وهو معدوم هنا؛ إذ التقدير أنه لا غرض فيه والأول أيضا باطل؛ لأن ذلك الغرض إما نفس كونه كذبا وهو باطل؛ لأن نفس كونه كذبا جهة صرف وفاقا كما تقدم، ولا جهة دعاء.
وأما غيره، وهو إما ديني، أو دنيوي وكل واحد منهما إما رغبة أو رهبة وكل واحد منهما إما أن يكون غرض الكل، أو البعض منها غرض البعض والبعض الآخر منها غرض البعض الآخر، وعلى التقديرات فإما أن تحصل تلك الدواعي بالتراسل أو لا بالتراسل، والأقسام بأسرها باطلة.
أما أنه لا يجوز أن يكون الغرض دينيا رغبة كان أو رهبة، فلأن حرمة الكذب متفق عليه سواء كان بالشرع أو بالعقل، وهو صارف ديني، فيستحيل أن يكون داعيا دينيا رغبة كان أو رهبة وأما أنه لا يجوز أن يكون الغرض الرغبة الدنيوية فلأن ذلك الغرض إما رجاء عوض على الكذب، أو إسماع غريب وإن كان لا أصل له وهما باطلان؛ لأن كثيرا من الناس لا يرتضون الكذب ولا يقدمون عليه لهذين الغرضين.
وأما أنه لا يجوز أن يكون الغرض الرهبة الدنيوية؛ فلأن الرهبة الدنيوية لا تكون إلا من السلطان ومن يجري مجراه، لكن السلطان لا يقدر على أن يجمع الجمع العظيم على الكذب، بل لا يقدر على جمعهم على أمر مباح والاستقراء يفيد العلم بذلك؛ ولهذا كثيرا ما يخوفهم على التحدث بكلام لا ينفعهم ولا يضرهم ثم إنهم يتحدثون به حتى يصير مشهورا فيما بينهم.