لا يقال: ما ذكرتم يقتضي أن لا يكون إجماع الصحابة بعد موتهم حجة؛ لأن لفز المؤمنين والأمة لا يصدقان عليهم بعد موتهم كما لا يصدقان على من سيوجد بعد ورودهما، فإذا لزم من عدم صدقهما على من سيوجد بعد ورودهما عدم حجية إجماعهم، لزم من عدم صدقهما عليهم بعد موتهم أن لا يكون إجماعهم حجة وهو خلاف الإجماع.
لأنَّا نقول: إن أدلة الإجماع دلت على أن إجماع الصحابة حجة في حال حياتهم، ولا يستفاد من تلك الأدلة سوى هذا، فأما حجية إجماعهم بعد موتهم فمستفاد من إجماعهم على أن ما أجمعوا عليه حين يصدق عليهم لفظ المؤمنين والأمة وهو حال حياتهم فإنه حق واجب الاتباع في ذلك الزمان وفي سائر الأزمنة فوجب أن يكون ذلك كذلك، وإلا لزم أن لا يكون إجماعهم حال حياتهم واجب الاتباع وهو خلاف أدلة الإجماع، ولا نعني بكون إجماعهم حجة بعد موتهم سوى أنه واجب الاتباع بعد موتهم.
قلت: المراد من المؤمنين والأمة الواردين في أدلة الإجماع الموجودين في كل عصر لا الموجودين وقت ورودهما فقط، بدليل أنه لا يشترط في المجمعين أن يكونوا جميع أولئك الذين كانوا موجودين عند ورود أدلة الإجماع وفاقًا، ولو كان المراد منه الموجودين وقت ورودهما فقط وجب أن يشترط ذلك، وحينئذ يلزم أن لا يقطع بحجيته إجماع من بقى من الصحابة بعد وفاة الرسول - عليه السلام - لأنه لم يعرف بقاء أولئك بأعيانهم إلى ما بعد وفاته عليه السلام، بل الذي يعلم موت بعضهم قبل وفاته - عليه السلام - فإن لم يكن هذا فلا أقل من الشك في ذلك، والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط، وهذا يقتضي أن لا يكون إجماع الصحابة حجة أيضًا وهو خلاف الإجماع.