وعن الثالث، أنه إن قيل: أن صيغة المضارع حقيقة في الحال والاستقبال أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر، وقلنا. اللفظ الواحد يجوز استعماله في المعنيين المختلفين، أو قلنا: أنه حقيقة فيهما بالاشتراك المعنوي، فإنه يجب حملها عليهما، وحينئذ تكون الآية دالة على ثبوت تلك الصفة في الحال والاستقبال، وأما إن لم نقل بذلك فيستدل على ثبوته في الاستقبال باستصحاب الحال وهذا وإن كان ظنيًا لكن دلالة الآية على المطلوب أيضًا ظنية عندنا.
وعن البواقي ما سبق في المسلكين المتقدمين.
ورابعها: وهو معتمد الإمام، وهو التمسك بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}.
أمر بالكون مع الصادقين فلا بد أن يكون مقدورًا لنا، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق، وحينئذ لم يجز أن يراد/ (14/ أ) منه الصادق في بعض الأمور، وإلا لكان ذلك أمرًا بموافقة كلا الخصمين، لأن كل واحد منهما صادق في بعض الأمور، ولكان ذلك أمرًا لكل واحد منهما بموافقة الآخر وهو باطل فيتعين أن يكون المراد منه: من يكون صادقًا في كل الأمور، وحينئذ نقول: إما أن يكون هذا أمرًا بالكون معهم في جميع الأمور، أو في بعضها.
والثاني باطل، لأن ذلك البعض غير متعين بحسب دلالة الآية ولا بحسب غيرها، إذ الأصل عدم ذلك فيلزم الإجمال، وهو خلاف الأصل فيتعين الأول وحينئذ نقول، إن الصادقين الذين أمرنا بالكون معهم هم الصادقون في كل الأمور وهم إما مجموع الأمة أو بعضه، والثاني باطل، لأنه تعالى أمرنا بالطون معهم وجب أن يكون مقدورًا لنا كما سبق، وإنما يكون ذلك مقدورًا لنا أن لو عرفناهم بأعيانهم لكنا نعلم بالضرورة أنا لا نعرف أحدًا نقطع فيه