ومعلوم أن هذا الجواب لا يتأتى لكم، وهو ضعيف؛ لأنا لا نسلم أن المشاقة عبارة عن تكذيب الرسول والكفر به فقط، وما ذكرتم من الدليل لا يدل عليه، بل لو دل فإنما يدل على أنها ليست عبارة عن مطلق المعصية، ولا يلزم منه أن لا يكون عبارة عن بعض منها غير الكفر به وتكذيبه.
سلمنا: دلالة ما ذكرتم على أنها عبارة عن الكفر وتكذيبه، لكنه معارض بما يدل على أنها عبارة عن مطلق المعصية؛ وذلك لأن المشاقة مشتقة من الشق وهو الطرف والناحية، فتكون المشاقة عبارة عن كون أحد الشخصين في شق، والآخر في شق آخر، وذلك يكفي فيه أصل المخالفة سواء بلغ حد الكفر أو لم يبلغ.
سلمنا: سلامته عن المعارض، لكن لا نسلم أن مطلق الكفر ينافي التكليف بالإجماع؛ وهذا لأن كون الإجماع حجة لا يتوقف إلا على صدق الرسول، والكفر الذي ينشأ من تكذيبه ومن عدم العلم بصدقه ينافي التكليف به.
فأما الكفر الذي لا ينشأ منه نحو الذي يحصل من شد الزنار، ولبس الغيار، وإلقاء المصحف في القاذورات، والاستخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم مع الاعتراف بكونه نبيًا، وإنكار نبوته باللسان مع العلم بكونه نبيًا وما يجري مجراها، فكل ذلك لا ينافي التكليف بالإجماع.