وخامسها: أن تعليق الحكم بالصفة يفيد في العرف نفي الحكم عما عدا الموصوف بتلك الصفة، فوجب أن يكون في أصل اللغة كذلك.
أما الأول: فلأن الإنسان إذا قال: الإنسان الطويل، أو زيد الطويل لا يطير، واليهودي الميت لا يبصر، ضحك منه وتعلل بإلغاء التقييد بأن يقال: إذا كان القصير لا يطير، والميت المسلم لا يبصر، فأي فائدة للتقييد بالطويل، واليهودي، بخلاف قول القائل: الإنسان أو زيد لا يطير، فإن هاهنا لو ضحك فإنما يضحك، لأن بيان للواضحات لا لأن التقييد بالاسم غير مفيد.
وأما الثاني فلأن النقل خلاف الأصل.
وسادسها: أن أهل اللغة قالوا: إن تعقيب الخطاب للعام بالصفة وتقييده بها كتعقيب الخطاب العام بالاستثناء، ولهذا جرى فيه من الخلاف فيما يتعلق بالرجوع إلى الكل، أو الاختصاص بالجملة الأخيرة وغيره من المسائل، ما جرى في الاستثناء وقد ثبت أن الاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي، فكذا التقييد بالصفة يجب أن يفيد النفي فيما عدا الموصف بتلك الصفة إن كان الكلام موجبا، أو بالعكس إن كان منفيا.
فإن قلت: إن ادعيت أنهم قالوا: إن تعقيب العام بالصفة كتعقيبه بالاستثناء في كل الأمور، فممنوع.
وهذا لأن الافتراق بينهما حاصل في أمور لا تخفى.
وإن ادعيت ذلك في بعض الأمور فمسلم، لكن لا يلزم منه تساويهما فيما نحن فيه لاحتمال أن يكون ذلك في غير الأمر الذي نحن فيه.