ورابعها: أكثر النواهي المطلقة في الشرع والعرف للتكرار، وهذا لا يستريب فيه عاقل بعد الاستقراء والفحص، فلو لم يكن النهي للتكرار لزم التجوز في تلك الاستعمالات. أما لو قيل: بأنه للتكرار / (192/أ) فحيث لم يكن للتكرار، كما في قول الطبيب للمريض وقت شرب الدواء: "لا تأكل ولا تشرب في هذه الساعة، وإن كان يلزم التجوز فيه أيضا، لكنه قليل وكل ما كان الشيء خلاف الأصل كان تكثيره أيضًا خلاف الأصل، فيلزم أن يكون النهي للتكرار، لئلا يلزم خلاف الأصل.
واحتجوا بوجوه:
أحدها: أن النهي قد ورد بمعني الدوام، كما في النهي عن القتل والزنا وشرب الخمر وهو متفق عليه.
وقد ورد ولا يراد به الدوام، كما في قوله تعالى: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}.
وكما تقدم في قول الطبيب، والاشتراك والمجاز خلاف الأصل، فوجب جعله حقيقة في القدر المشترك بينهما، وهو مطلق الترك، لئلا يلزم أحدهما.
وثانيها: أنه لو كان للدوام فحيث لم يكن له يلزم الترك بالدليل.
أما لو قلنا: بأنه لمطلق التكرار من غير إشعار بأحد القيدين لم يلزم ذلك،