قلنا: لا نسلم وهذا لأنه لا يلزم من عدم إمكان وقوع الشيء في وقت، أن يكون غير مقدور عليه مطلقًا للقادر، لجواز أن يكون ذلك لفقد شرط أو وجود مانع، وهو غير مناف للمقدورية في الجملة، نعم هو غير مقدور عليه في تلك الحالة مع ذلك الاعتبار، لأن وجود المشروط بدون الشرط ووجود الشيء مع وجود المانع منه محال، والمحال غير مقدور عليه، لكن لا نسلم أنه لا يجوز أن يتعلق التكليف بمثل هذا الفعل عند الخصم، ولا يخفى عليك سنده بعد الإحاطة بما تقدم في مسألة تكليف ما لا يطاق.

واحتج على المسألة بوجه آخر:

وهو أنه لا نزاع في أن الفعل في أول زمان حدوثه، مقدور، سواء قيل بتقدم الاستطاعة عليه، كما هو مذهب المعتزلة، أو بوجودها مع وجوده كما هو مذهب أصحابنا، وإذا كان كذلك أمكن تعليق التكليف به إذ لا يعتمد صحته إلا على الفهم والقدرة.

وفيه نظر. لأنه إن عني بقوله: إن الفعل في أول زمان حدوثه لمقدور بالاتفاق "مع" أنه تعلق به القدرة في حالة العدم وهو به يوجد ولا ينقطع عنه التعلق إلى أن يتم وجوده، فهذا مسلم لكن لا نسلم أن المقدور بهذا المعني يصح أن يتعلق به التكليف، وهذا لأن فعله إذ ذاك واجب عندنا ولا يتعلق التكليف بالواجب عندنا، بل إنما يتعلق بما يصح فعله وتركه. وإن عني به: أنه يصح فعله ويصح تركه، فممنوع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015