قال: "الباب الأول في اللغات وفيه فصول, الفصل الأول: في الوضع لما مست الحاجة إلى التعاون والتعارف، وكان اللفظ أفيد من الإشارة والمثال لعمومه وأيسر؛ لأن الحروف كيفيات تعرض للناس الضروري وضع بإزاء المعاني الذهنية لدورانه معها؛ ليفيد النسب والمركبات دون المعاني المفردة وإلا فيدور" أقول: اللغات عبارة عن الألفاظ الموضوعة للمعاني, فلما كانت دلالة الألفاظ على المعاني مستفادة من وضع الواضع, عقد المصنف هذا الفصل في الوضع وما يتعلق به، فالوضع تخصيص الشيء بالشيء بحيث إذا علم الأول علم الثاني, والذي يتعلق به ستة أشياء أحدها: سبب الوضع، والثاني: الموضوع, والثالث: الموضوع له, والرابع: فائدة الوضع, والخامس: الواضع, والسادس: طريق معرفة الموضوع, وذكرها المصنف في هذا الفصل على هذا الترتيب: الأول: سبب الوضع وأشار إليه بقوله: لما مست الحاجة أي: اشتدت, وتقريره أن الله تعالى خلق الإنسان غير مستقل بمصالح معاشه محتاجا إلى مشاركة غيره من أبناء جنسه لاحتياجه إلى غذاء ولباس ومسكن وسلاح, والواحد لا يتمكن من تعلم هذه الأشياء فضلا من استعمالها؛ لأن كلا منها موقوف على صنائع شتى فلا بد من جمع عظيم ليتعاون بعضهم ببعض, وذلك لا يتم إلا بأن يعرفه ما في نفسه فاحتيج إلى وضع شيء يحصل به التعريف، وعبر المصنف عنه بالتعارف تبعا للحاصل وفيه نظر. قوله: "وكان اللفظ إلى قوله: وضع" شرع يتكلم في الموضوع وهو الثاني من الستة المتقدمة، وحاصله أنه