من عدم الدليل يدل على الإعادة، وقد بسط القرافي ذلك على نحو ما قلناه فقال في تعليقه على المنتخب: لا خلاف بين أبي هاشم وغيره في براءة الذمة عند الإتيان بالمأمور به, ثم اختلفوا فقال الجمهور: الأمر كما دل على شغل الذمة دل أيضا على البراءة بتقدير الإتيان، وقال أبو هاشم: الأمر يدل على الشغل فقط والبراءة بعد الإتيان بالمأمور به مستفادة من الأصل, ومعناه أن الإنسان خلق وذمته بريئة من الحقوق كلها، فلما ورد الأمر اقتضى شغلها، فإذا امتثل كان الإجزاء، وهو براءة الذمة بعد ذلك مستفاد من الاستصحاب لا من الإتيان بالمأمور به, قال: وهذا الخلاف شبيه بالخلاف في مفهوم الشرط كما قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، فالقائلون بأن الشرط لا مفهوم له يقولون: عدم طلاقها مستفاد من العصمة السابقة، والقائلون بالمفهوم يقولون: عدم الطلاق من ذلك، ومن مفهوم الشرط, وكذلك أيضا الخلاف الذي ههنا ا. هـ كلامه، وإذا علمت ما قلناه علمت فساد الدليل المذكور في الكتاب ردا على أبي هاشم؛ لأن أبا هاشم لا يقول ببقاء الشغل, بل يقول: إن الأمر لا بد عليه، ودليل أبي هاشم الذي نقله المصنف عنه وهو قوله: كما لا يوجب النهي الفساد, يدل عليه أيضا, ثم إن الإمام والمصنف وجماعة جعلوا محل الخلاف في الإتيان بالمأمور به، وفيه نظر لأن الأفعال لا دلالة لها على الشغل ولا على البراءة, وإنما يدل على عدم الضد فينبغي أن يجعلوا محل الخلاف في الأمر وقد نص عليه الأكثرون, كالغزالي وابن برهان والمعالي وابن فورك والقاضي عبد الجبار وأبي الحسين والقاضي عبد الوهاب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015