أحدها: ما ذكره من بعد, وهو أن فائدة التكليف ليست منحصرة في الأمثال حتى ينتفي التكليف عند انتفاء إمكان الفعل, بل فائدته العقاب على تقدير أن لا يسلم ويفعل. الثاني: ما ذكره من قبل وهو كونه قادرا على الامتثال بعد إزالة المانع، وحاصله أن التجاء الفرق الذي ذكره الخصم دائر مع صحة السؤال الآتي وسيأتي إبطاله. الثالث: أن دعواهم منتقضة بالنفقات وغيرها مما لا يشترط فيه قصد التقريب. قوله: "قيل: لا يصح مع الكفر" أي: استدل من قال بتكليفهم بالنواهي دون الأوامر بأن الصلاة مثلا لو كانت واجبة, لكانت مطلوبة منهم؛ لأن الوجوب طلب الفعل مع المنع من الترك، ولكن لا يصح أن تكون مطلوبة منهم, أما في حال الكفر فلعدم صحتها، ويستحيل من الشارع طلب تعاطي الفاسد، وأما بعد الإسلام فلعدم وجوب قضائها عليهم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يجبّ ما قبله" 1 فإذا تعذر الوجوب، وأجاب المصنف تبعا للإمام بأنه لا فائدة لهذا التكليف إلا تضعيف العذاب عليهم في الآخرة، فقولنا: إنهم مأمورون بها لا معنى له إلا أنهم يعاقبون عليها كما يعاقبون على الإيمان، وهذا الجواب مردود من وجهين, أحدهما: أنه غير مطابق لدليل الخصم أصلا فإن الخصم يقول لا شك: إن التعذيب في الآخرة متوقف على تقدم التكليف, فلا بد أن تختار أحد القسمين، إما حالة الكفر أو بعدها، ونجيب عما قاله الخصم فيه، والجواب الصحيح أن نختار أنه مكلف لإيقاع ذلك في زمن الكفر, ونجيب بما تقدم من كونه قادرا على إحالة المانع كالمحدث، ويكون زمن الكفر ظرفا للتكليف لا للإيقاع، أي: يكلف في زمن الكفر بالإيقاع، وذلك بأن يسلم ويوقع، والحديث حجة لنا؛ لأن قوله -صلى الله عليه وسلم: "يجب" يقتضي سبق التكليف به ولكن يسقط ترغيبا في الإسلام. الاعتراض الثاني: أن دعواه أن لا فائدة لها في الدنيا باطلة بل لها فوائد، منها تنفيذ طلاقة وعتقه وظهاره وإلزامه الكفارات وغير ذلك، ومنها إذا قتل الحربي مسلما ففي وجوب القود أو الدية خلاف مبني على هذه القاعدة كما صرح به الرافعي، ومنها أنه هل يجوز تمكن الكافر الجنب من دخول المسجد؟ فيه خلاف مبني على هذه القاعدة أيضا، وإن كان المشهور في الفرعين خلاف قضية البناء، ومنها إذا دخل الكافر الحرم وقتل صيدا فإن المعروف لزوم الضمان, قال في المهذب: ويحتمل أن لا يلزمه، وهذا التردد منشؤه هذه القاعدة، ومنها فروع كثيرة نقل المعالمي عن محمد بن الحسن عدم الوجوب فيها معللا بذلك، ومذهبنا فيها الوجوب كوجوب دم الإساءة على الكافر إذا جاوز الميقات, ثم أسلم وأحرم، ووجوب زكاة الفطر على الكافر في عبده المسلم، ووجوب الاغتسال عن الحيض إذا كانت الكافرة تحت مسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015