القدرة فالمراد بها هنا هو التمكن من الفعل كما تقدم نقله عن البرهان، وأما الداعية فنقول: إذا علم الإنسان أو ظن أو اعتقد أن له في الفعل أو الترك مصلحة راجحة حصل في قلبه ميل جازم إليه, فهذا العلم أو الظن أو الاعتقاد هو المسمى بالداعية مجازا من قولهم: دعاه أي: طلبه، وكان علمه بالمصلحة طلب منه الفعل وقد يسمى الداعي بالغرض والمجموع من القدرة والداعية يسمى بالعلة التامة، فإذا وجدت يجب وقوع الفعل, وقيل: لا يجب لكن يصير الفعل أولى، وإذا عدمت الداعية امتنع وقوعه على المختار الذي جزم به الإمام، ونقل الأصبهاني شارح المحصول في الأوامر أن أكثر المتكلمين على أن الفعل لا يتوقف عليها، إذا علمت ذلك فتقرير ما قاله المصنف من وجهين، أحدهما ما قاله في المحصول: أن القدرة مع الداعي مؤثرة في وجوه الفعل, ولا امتناع في كون المؤثر مقارنا للأثر فتكون القدرة مقارنة للفعل مع كونه واجب الوقوع, فانتفى قولكم: إن ما كان واجب الصدور لا يكون مقدورا، الثاني وهو الأقرب إلى كلام المصنف وأشار إليه صاحب الحاصل: أن الفعل يترتب وجوده على وجود القدرة مع الداعية فيكون مأمورا حال القدرة والداعية عند المعتزلة لكونه من جملة الأزمان التي قبل الفعل مع أن الفعل واجب الوقوع في تلك الحالة فينتفي ما قلتموه. "واعلم" أن العلة هل هي متقدمة على المعلول أو مقارنة له؟ فيه قولان مشهوران, فإن التزم الخصم القول الأول فجوابه الثاني، وإن التزم الثاني فجوابه الأول, فتلخص أنه لا بد منهما, ولك أن تقول: إذا كان الفعل قبل المباشرة غير مقدور عليه، وعند المباشرة واجب الوقوع فيلزم التكليف بالممتنع أو الواجب, وهو محال.