أول تعريفهما ثم نعود إلى شرح كلامه فنقول: الأصل له معنيان: معنى في اللغة، ومعنى في الاصطلاح، فأما معناه اللغوي فاختلفوا فيه على عبارات: "إحداها" ما يبنى عليه غيره، قاله أبو الحسين البصري في شرح العمدة، "ثانيتها" المحتاج إليه قاله الإمام في المحصول والمنتخب وتبعه صاحب التحصيل، "ثالثتها" ما يستند تحقق الشيء له، قاله الآمدي في الأحكام ومنتهى السول، "رابعتها" ما منه الشيء, قاله صاحب الحاصل، "خامستها" منشأ الشيء، قال بعضهم: وأقرب هذه الحدود هو الأول والأخير، وأما في الاصطلاح فله أربعة معانٍ: "أحدها" الدليل كقولهم: أصل هذه المسألة الكتاب والسنة أي: دليلهما، ومنه أيضا أصول الفقه، أي: أدلته، "الثاني" الرجحان، كقولهم الأصل في الكلام الحقيقة، أي الراجح عند السامع هو الحقيقة لا المجاز، "الثالث" القاعدة المستمرة كقولهم إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل، "الرابع" الصورة المقيس عليها على اختلاف مذكور في القياس في تفسير الأصل، وأما الفقه فله أيضا معنيان: لغوي واصطلاحي، فالاصطلاحي سيأتي في كلام المصنف. وأما اللغوي فقال الإمام في المحصول والمنتخب1: هو فهم غرض المتكلم من كلامه، وقال الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع: هو فهم الأشياء الدقيقة، فلا يقال فقهت أن السماء فوقنا. وقال الآمدي: هو الفهم وهذا هو الصواب فقد قال الجوهري2: الفقه الفهم تقول فقهت كلامك بكسر القاف أفقه بفتحها في المضارع أي فهمت أفهم. قال الله تعالى: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78] . وقال تعالى: {مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} [هود: 91] وقال تعالى: {وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] إذا علمت ذلك فلنرجع إلى شرح كلام المصنف، فنقول قول معركة كالجنس دخل فيه أصول الفقه وغيره، والفرق بينه وبين العلم من وجهين: "أحدهما" أن العلم يتعلق بالنسب أي وضع لنسبة شيء آخر، ولهذا تعدى إلى مفعولين، بخلاف عرف فإنها وضعت للمفردات، تقول: عرفت زيدا، "الثاني" أن العلم يستدعي سبق جهل بخلاف المعرفة، ولهذا لا يقال لله تعالى عارف ويقال له عالم، وقد نص جماعة من الأصوليين أيضا ومنهم الآمدي في أبكار الأفكار على نحو، فقالوا: إن المعرفة لا تطلق على العلم القديم. وقوله: "دلائل الفقه" هو جمع مضاف، وهو يفيد العموم فيعم الأدلة كمعرفة الفقه ونحوه، "الثاني" معرفة أدلة غير الفقه كأدلة النحو والكلام. "الثالث" معرفة بعض أدلة الفقه كالباب الواحد من أصول