قال: "المسألة الخامسة: جوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه؛ لأنها جزؤه, فالدال عليه يدل عليها بالتضمن. قالت المعتزلة وأكثر أصحابنا: الموجب قد يغفل عن نقيضه قلنا: لا, فإن الإيجاب بدون المنع من نقيضه محال, وإن سلم فمنقوض بوجوب المقدمة" أقول: هذه هي المسألة المعروفة بأن الأمر بالشيء نهي عن ضده وفيها ثلاثة مذاهب مشهورة ممن حكاها إمام الحرمين في البرهان1, أحدها: أن الأمر بالشيء هو نفس النهي عن ضده، فإذا قال مثلا: تحرك فمعناه: لا تسكن واتصافه بكونه أمرا ونهيا باعتبارين كاتصاف الذات الواحدة بالقرب والبعد بالنسبة إلى شيئين, وهذا المذهب لم يذكره المصنف، والثاني: أنه غيره ولكنه يدل عليه بالالتزام, وعلى هذا فالأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده, بخلاف النهي عن الشيء فإنه أمر بأحد أضداده, وشرط كونه نهيا عن ضده أن يكون الواجب مضيقا كما نقله شراح المحصول على القاضي عبد الوهاب؛ لأنه لا بد أن ينتهي الترك المنهي عنه حين ورود النهي، ولا يتصور الانتهاء عن الترك إلا بالإتيان بالمأمور به، فاستحال النهي مع كونه موسعا, وهذا المذهب وهو كونه يدل عليه بالتزام نقله صاحب الإفادة عن أكثر أصحاب الشافعي واختاره الآمدي, وكذا الإمام وأتباعه ومنهم المصنف، وعبروا كلهم بأن الأمر بالشيء نهي عن ضده، فدخل في كلامهم كراهة ضد المندوب إلا المصنف، فإنه عبر بقوله: وجوب بالشيء يستلزم حرمة نقيضه، وسبب تعبيره بهذا أن الوجوب قد يكون مأخوذا من غير الأمر كفعل الرسول عليه الصلاة والسلام، والقياس، وغير ذلك، فلما كان الواجب أعم من هذا الوجه عبر به، وأما الكراهة ضد المندوب فإن المصنف قد لا يراه؛ وذلك لأنا إذا قلنا: إن الأمر بالشيء نهي عن ضده فهل يكون خاصا بالواجب؟ فيه قولان شهيران حكاهما الآمدي وابن الحاجب وغيرهما, ولكن الصحيح أنه لا فرق كما صرح به الآمدي وغيره، والمذهب الثالث: أنه لا يدل عليه البتة، واختاره ابن الحاجب ونقله المصنف