العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الله رؤساء جهالا, فسئلوا فأفتوا بغير علم, فضلوا وأضلوا" 1 "الثاني": إذا قلد مجتهدا في مسألة فليس له تقليد غيره فيها اتفاقا، ويجوز ذلك في حكم آخر على المختار, فلو التزم مذهبا معينا كالطائفة الشافعية والحنفية، ففي الرجوع إلى غيره من المذاهب ثلاثة أقوال، ثالثها: يجوز الرجوع فيما لم يعمل به ولا يجوز في غيره. "فائدتان" إحداهما: ذكر القرافي في شرح المحصول أن تقليد مذهب الغير حيث جوزناه فشرطه أن لا يكون موقعا في أمر يجتمع على إبطاله الإمام الذي كان على مذهبه، والإمام الذي انتقل إليه. فمن قلد مالكا مثلا في عدم النقض باللمس الخالي عن الشهوة فصلى, فلا بد أن يدلك بدنه ويمسح جميع رأسه، وإلا فتكون صلاته باطلة عند الإمامين. "الفائدة الثانية": تقليد الصحابة -رضي الله عنهم- ينبني على جواز الانتقال في المذاهب، كما حكي عن ابن برهان في الأوساط؛ لأن مذاهبهم غير مدونة ولا مضبوطة حتى يمكن المقلد الاقتداء بها فيؤديه ذلك إلى الانتقال، وقال إمام الحرمين في البرهان: أجمع المحققون على أن العوام ليس لهم أن يتعلقوا بمذهب أعيان الصحابة -رضي الله عنهم- بل عليهم أن يتبعوا مذاهب الأئمة الذين سبروا ونظروا وبوّبوا الأبواب، وذكروا أوضاع المسائل لأنهم أوضحوا طرق النظر وهذبوا المسائل وبينوها وجمعوها، وذكر ابن الصلاح أيضا ما حاصله: أنه يتعين تقليد الأئمة الأربعة دون غيرهم؛ لأن مذاهب الأربعة قد انتشرت وعلم تقييد مطلقها وتخصيص عامها، ونشرت فروعها بخلاف مذهب غيرهم، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وحشرنا في زمرتهم، والله رحيم ودود.
تم الكتاب والله الموفق إلى الصواب، وإليه المرجع والمآب، وله الحمد ظاهرا وباطنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل. قال مؤلفه العبد الفقير إلى عفو الله وغفرانه، عبد الرحيم بن الحسن القرشي الإسنوي الشافعي, عامله الله بلطفه: فرغت من هذا الكتاب المبارك عند فراغ السنة المباركة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، أحسن الله تعالى خاتمتها وعقباها بمنه وكرمه، وابتدأت فيه في شهر صفر سنة أربعين وسبعمائة، وكان تأليفه في المدرسة المباركة الشريفة، رحم الله واقفها, من القاهرة المعزية حماها الله وسائر بلاد الإسلام، اللهم فكما أرشدت إلى ابتدائه، وأعنت على انتهائه، فاجعله خالصا لوجهك، موجبا للفوز لديك، وأنفع به مؤلفه، وكاتبه، والناظر فيه، وجميع المسلمين، وصلواته وسلامه على سيدنا محمد, وآله أجمعين، والحمد لله رب العالمين.