قال: "الباب الثاني: في الإفتاء, وفيه مسائل، الأولى: يجوز الإفتاء للمجتهد ومقلد الحي، واختلف في تقليد الميت لأنه لا قول له؛ لانعقاد الإجماع على خلافه، والمختار جوازه للإجماع عليه في زماننا". أقول: مقصود هذا الباب منحصر في المفتي والمستفتي وما فيه الاستفتاء، فلذلك ذكر المصنف فيه ثلاث مسائل لهذه الأمور الثلاثة, المسألة الأولى: في المفتي, فيجوز للمجتهد أن يفتي إذا اتصف بالشروط المعتبرة في الراوي, وهل يجوز للمقلد أن يفتي بما صح عنده من مذهب إمامه، سواء كان سماعا منه أو رواية عنه أو مسطورا في كتاب معتمد عليه، ينظر فيه. فإن كان إمامه حيا ففيه أربعة مذاهب حكاها ابن الحاجب، يجوز مطلقا وهو مقتضى اختيار الإمام والمصنف لأنه ناقل فجاز كنقل الأحاديث. والثاني: يمتنع مطلقا؛ لأنه إنما يسأل عما عنده لا عما عند مقلده، وأما القياس على نقل الأحاديث فممنوع، قال ابن الحاجب: لأن الخلاف ليس في مجرد النقل, أي: إنما الخلاف في أن غير المجتهد هل له الجزم بالحكم؟ وذكره لغيره ليعلم بمقتضاه. والثالث: لا يجوز عند وجود المجتهد، ويجوز عند عدمه للضرورة. ورابعها: أنه إن كان مطلعا على المآخذ أهلا للنظر جاز لوقوع ذلك على ممر الأعصار من غير إنكار. وإن لم يكن كذلك فلا يجوز لأنه يفتي بغير علم، وهذا هو المختار عند الآمدي وابن الحاجب وغيرهما, وإن كان إمامه ميتا ففي الإفتاء بقوله خلاف ينبني على جواز تقليده؛ فلذلك عدل المصنف عما ساق الكلام له وهو الإفتاء بقوله: إلى حكاية الخلاف في تقليده وهو حسن, لكن حكايته الخلاف في هذا دون مقلد الحي يوهم الاتفاق على الجواز فيه, وليس كذلك لما عرفت. قوله: "لأنه" أي: الدليل على أنه لا يجوز إفتاء المقلد للميت، أن الميت لا قول له بدليل انعقاد الإجماع على خلافه، ولو كان له قول لم ينعقد على خلاف قول الحي، وإذا لم يكن له قول لم يجز تقليده ولا الإفتاء بما كان ينسب إليه. قالوا: وإنما صنفت كتب الفقه لاستفادة طريق الاجتهاد من تصرفهم في الحوادث وكيفية بناء بعضها على بعض، ومعرفة المتفق عليه من المختلف فيه. هذا ما نقله الإمام في تقليد الميت حكما وتعليلا ثم