الخبر الذي ذكر معه معارضه كقوله -عليه الصلاة والسلام: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور, فزوروها" 1 يرجح على ما ليس كذلك؛ لأن ترجيحه إنما يكون باعتقاد تأخره عن الخبر الدال على النهي، وتأخره عنه يقتضي النسخ مرة واحدة بخلاف ترجيح الدال على النهي، فإنه يقتضي النسخ مرتين؛ لأنه لا بد من اعتقاد وروده بعده، وحينئذ فيكون ناسخا للإباحة التي فيه، والإباحة التي فيه ناسخة للنبي، المخبر عنه، وهو المشار إليه بقوله: "كنت نهيتكم" وهذا التقرير صحيح واضح خلافا لما توهمه بعض شارحي المحصول. الثاني عشر: الخبر المقرون بالتهديد، كقوله -عليه الصلاة والسلام: "من صام يوم الشك, فقد عصى أبا القاسم "2 راجح على ما ليس كذلك؛ لأن اقترانه بالتهديد يدل على تأكد الحكم الذي تضمنه، وكذلك لو كان التهديد في أحدهما أكثر كما قال في المحصول، وأهمله المصنف تبعا للحاصل. قال: "السادس: بالحكم, فيرجح المبقي الحكم الأصل؛ لأنه لو لم يتأخر عن الناقل لم يفد, والمحرم على المبيح لقوله عليه الصلاة والسلام: "ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال" 3 وللاحتياط ويعادل الموجب، ومثبت الطلاق والعتاق؛ لأن الأصل عدم القيد، ونافي الحد؛ لأنه ضرر لقوله -عليه الصلاة والسلام: "ادرءوا الحدود بالشبهات" 4.

أقول: الوجه السادس: الترجيح بالحكم، وهو بأمور, الأول: يرجح الخبر المبقي لحكم الأصل أي: المقرر لمقتضى البراءة الأصلية، على الخبر الناقل لذلك الحكم أي: الرافع، كقوله -عليه الصلاة والسلام: "من مس ذكره فليتوضأ" 5 مع قوله: "إن هو إلا بضعة منك" لأن المبقي متأخر عن الناقل، إذ لو لم يتأخر عنه لم يكن له فائدة؛ لأنه حينئذ يكون واردا حيث لا يحتاج إليه؛ لأن في ذلك الوقت نعرف الحكم بدليل آخر, وهو البراءة الأصلية والاستصحاب، وإذا كان متأخرا عن الناقل كان أرجح منه، وهذا الذي اختاره المصنف ذكر الإمام أنه الحل، ونقل عن الجمهور أنهم رجحوا الناقل؛ لأن الناقل يستفاد منه ما لا يعلم عن غيره بخلاف المبقي؛ ولأن الأخذ بالمبقي يستدعي تأخر وروده عن الناقل، وفي ذلك تكثير النسخ؛ لأن الناقل حينئذ يزيل حكم العقل، ثم المبقي يزيل حكم الناقل, فيلزم النسخ مرتين. وأما إذا قدرنا تأخر الناقل وأخذ بابه ففيه تقليل النسخ؛ لأن المبقي حينئذ يكون واردا أولا لتأكيد حكم النقل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015