الثانية: تعليل عدم الحكم بالمانع هل يتوقف على وجود المقتضى له؟ فيه مذهبان أرجحهما عند الإمام والمصنف وابن الحاجب أنه لا يتوقف؛ لأن المقتضى والمانع بينهما معاندة ومضادة، والشيء لا يتقوى بضده بل يضعف به، فإذا جاز التعليل بالمانع حال ضعفه وهو وجود المقتضى فجوازه عند قوته وهو حال عدم المقتضى أولى، لكن إذا قلنا بهذا فانتفاء الحكم لانتفاء المقتضى أظهر في العقل من انتفائه لحصول المانع, هكذا قاله في المحصول1، وعلى هذا فمدعي الأول أرجح من مدعي الثاني فاعلمه، فإنه كثير الوقوع في المباحث. والمذهب الثاني: أن التعليل بالمانع يتوقف على وجود المقتضى، واختاره الآمدي لأن المعلول إن كان هو العدم المستمر فباطل؛ لأن المانع حادث والعدم المستمر أولى، واستناد الأزلي إلى الحادث ممتنع، وإن كان هو العدم المتجدد فهو المطلوب؛ لأن العدم المتجدد إنما يتصور بعد قيام المقتضى, وأجاب المصنف بأن المعلل هو العدم المستمر ولا استحالة فيه، لأن العلل الشرعية معرفات، والحادث يجوز أن يكون معرفا للأزلي كما أن العالم معرف للصانع، واعلم أن هذه المسألة من تفاريع تخصيص العلة، بأنه يمتنع الجمع بين المقتضى والمانع عند من يمنع التخصيص، ولا يمتنع ذلك عند من يجوزه. المسألة الثالثة: الوصف الذي جعل علة في الأصل المقيس عليه لا يشترط الاتفاق على وجوده فيه على الصحيح، بل يكفي قيام الدليل عليه سواء كان ذلك الدليل قطعيا أو ظنيا لحصول المقصود به، وقياسا على سائر المقدمات، وسيأتي الكلام على وجوده في الفرع. المسألة الرابعة: الوصف المانع قد يكون دافعا للحكم فقط، أي: إذا قارن ابتداء دفعه وإن وجد في الأثناء لم يقدح, وقد يكون رافعا فقط أي بالعكس مما تقدم، وقد يكون دافعا ورافعا، فالأول كالعدة فإنها تمنع ابتداء النكاح لا دوامه, فإن المرأة لو اعتدت عن وطء الشبهة لم ينفسخ نكاحها، وأما الثاني فكالطلاق فإنه يرفع النكاح ولكن لا يدفعه، فإن الطلاق لا يمنع وقوع نكاح جديد، وأما الثالث فكالرضاع وهو واضح. المسألة الخامسة: العلة الواحدة قد يعلل بها معلول واحد وهو ظاهر، وقد يعلل بها معلولان متماثلان أي: في ذاتين، كالقتل الصادر من زيد وعمر، فإنه يوجب القصاص على كل واحد منهما، ولا يتأتى ذلك في الذات الواحدة لاستحالة اجتماع المثلين, وقد يعلل بها معلولان مختلفان بجواز اجتماعهما، كالحيض فإنه علة لتحريم القراءة، ومس المصحف، والصوم، والصلاة، وقد يعلل بها معلولان متضادان لكن بشرطين متضادين كالجسم يكون علة للسكون بشرط البقاء في الحين، وللحركة بشرط الانتقال عنه، وقد اقتصر المصنف على هذا الأخير, وإنما اشترطنا فيه حصول الشرطين المتضادين؛ لأنه إن لم يكن للمعلومين