خفية غير منضبطة، بدليل أنها قد تحصل للحاضر وتنعدم في حق المسافر. قوله: "لأنه لا يعلم" أي: استدل المانع بأن القدر الحاصل من المصلحة في الأصل، وهو الذي رتب الشارع علة الحكم فيه لا يعلم وجوده في الفرع؛ لكون المصالح والمفاسد من الأمور الباطنة التي لا يمكن الوقوف على مقاديرها، ولا امتياز كل واحدة من مراتبها التي لا نهاية لها من الرتبة الأخرى، وحينئذ فلا يجوز للمستدل إثبات حكم الفرع بها، وأجاب المصنف بأنه لو لم يجز التعليل بها لكونها غير معلومة لما جاز بالوصف المشتمل عليها؛ لأن العلم باشتمال الوصف عليها من غير العلم بها ممتنع، لكنه يصبح التعليل بالوصف المشتمل عليها بالاتفاق، كالسفر مثلا فإنه علة لجواز القصر لاشتماله على المشقة لا لكونه سفرا، وحينئذ فإذا حصل الظن بأن الحكم في الأصل لتلك المصلحة أو المفسدة المقدرة وحصل الظن أيضا بأن قدر تلك المصلحة أو المفسدة حاصل في الفرع, لزم بالضرورة حصول الظن بأن الحكم قد وجد في الفرع، والعمل بالظن واجب. قال: "قيل: العدم لا يعلل به؛ لأن الأعدام لا تتميز وأيضا ليس على المجتهد سبرها, قلنا: لا يسلم, فإن عدم اللازم متميز عن عدم الملزوم، إنما سقط عن المجتهد لعدم تناهيها، قيل: إنما يجوز التعليل بالحكم المقارن، وهو أخذ التقادير الثلاثة, فيكون مرجوحا، قلنا: ويجوز بالمتأخر لأنه معرف". أقول: يجوز تعليل الحكم العدمي بالعلة العدمية, وفي تعليل الحكم الوجودي بها مذهبان, أصحها عند المصنف أنه يجوز واختاره الإمام هنا؛ لأن دوران الحكم قد يحصل مع بعض العدميات والدوران يفيد العلية كما تقدم، وأصحهما عند الآمدي وابن الحاجب أنه لا يجوز، واختاره الإمام في الكلام على الدوران لوجهين، أحدهما: أن الأعدام لا تتميز عن غيرها وما لا يتميز عن غيره لا يجوز أن يكون علة، أما الصغرى فلأن المتميز عن غيره لا بد أن يكون موصوفا بصفة التميز، والموصوف بصفة التميز ثابت، والعدم نفي محض, وأما الكبرى فلأن الشيء الذي يكون علة لا بد أن يتميز عما لا يكون علة، وإلا لم يعرف كونه علة. الثاني: أن المجتهد يجب عليه سبر الأوصاف الصالحة العلية، أي: اختبارها لتميز العلة عن غيرها، فلو كانت الأعدام صالحة للعلية لكان يجب عليه أن يسبرها لكنه لا يجب، وأجاب المصنف عن الأول بأنا لا نسلم أن الأعدام لا تتميز بل تقبل التمييز، بل إذا كانت من الأعدام المضافة، بدليل أن عدم اللازم متميز عن عدم الملزوم، فإنا نحكم بأن عدم اللازم يستلزم عدم الملزوم ولا ينعكس، وأما استدلالهم عليه فجوابه أن الموصوف بالتميز إنما يستدعي الثبوت في الذهن فقط، والعدم له ثبوت فيه، نعم الأعدام المطلقة ليس لها تميز، ونحن نسلم امتناع التعليل بها، والجواب عن الثاني أن سبر الأعدام إنما سقط عن المجتهد لعدم قدرته عليها لا تنتهي، لا لكونها غير صالحة للعلية. قوله: "قيل: إنما يجوز ... إلخ" اختلفوا في تعليل الحكم الشرعي بالحكم, فجوزه الإمام والمصنف مطلقا؛ لأن الحكم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015