إما على خلاف الدليل المقتضي للوجوب، كجواز الفطر في السفر، وإما على خلاف الدليل المقتضي للندب كترك الجماعة بعذر المطر والمرض ونحوهما، فإنه رخصة بلا نزاع، وكالإيراد عند من يقول: إنه رخصة, وبهذا يعلم أن قول الآمدي وابن الحاجب: هو المشروع لعذر مع قيام المحرم, غير جامع وقوله: لعذر يعني المشقة والحاجة، واحترز به عن شيئين, أحدهما: الحكم الثابت بدليل راجح على دليل آخر معارض له، والثاني: التكاليف كلها, فإنها أحكام ثابتة على خلاف الدليل؛ لأن الأصل عدم التكاليف، والأصل من الأدلة الشرعية, وقد صرح القرافي بذلك أعني بكون التكاليف على خلاف الدليل وأطال الاستدلال عليه في شرحي المحصول والتنقيح، ولا ذكر لهذا القيد في المحصول أو المنتخب ولا في التحصيل والحاصل، فإن قيل: الثابت بالناسخ لأجل المشقة كعدم وجوب ثبات الواحد للعشرة في القتال, ونحوه ليس برخصة مع أن الحد منطبق عليه قلنا: لا نسلم, فإن تسمية المنسوخ دليلا إنما هو على سبيل المجاز. قوله: "كحل الميتة في المضطر ... إلخ" يعني: أن الرخصة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: واجبة ومندوبة ومباحة، فالواجبة أكل الميتة للمضطر على الصحيح المشهور في مذهبنا، وأما المندوبة فالقصر للمسافر بشرط المعروف وهو بلوغه ثلاثة أيام فصاعدا، وأما المباح فمثل له المصنف بالفطر للمسافر فقوله: واجبا ومندوبا ومباحا من باب اللف والنشر، فالأول للأول والثاني للثاني والثالث للثالث، وهكذا ذكره ابن الحاجب أيضا وتمثيل المباح بالفطر لا يستقيم؛ لأنه إذا تضرر بالصوم فالفطر أفضل وإن لم يتضرر فالصوم أفضل، فليست للصوم حالة يستوي فيها الفطر وعدمه وذلك هو حقيقة المباح, فإن قيل: مراده المباح في تفسير الأقدمين، وهو جواز الفعل الشامل للواجب والمندوب والمكروه والمباح المصطلح عليه, ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم: "أبغض المباح إلى الله الطلاق" 1 قلنا: لو أراد ذلك لما جعله قسيما للواجب والمندوب وعطفه عليهما, فغفله ذلك دليل على إرادة لمستوى الطرفين، وقد يقال: مراده بالمباح ما ليس فعله راجحا وهو غير الواجب والمندوب, ولكنه أيضا خلافا للمصطلح والصواب تمثيله بالسلم والعرايا والإجارة وشبه ذلك من العقود، فإنها رخصة بلا نزاع؛ لأن السلم والإجارة عقدان على معدوم مجهول والعرايا بيع الرطب بالتمر، فجوزت للحاجة إليها، وقد ثبت التصريح بذلك في الحديث الصحيح فقال: "وأرخص من العرايا" 2 مع كونها رخصة فهي مباحة لا طلب في فعلها ولا في تركها، فيصدق عليها الحد، فيقال: حكم ثابت على خلاف الدليل لعذر، ولا يصح تمثيل المباح بمسح الخف؛ لأن غسل الرجل أفضل منه كما جزم به المتقدمون من أصحابنا والمتأخرون منهم