الحل في قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} فإن الحق الذي عليه المحققون أنه من قبيل الإيماء، وحكى ابن الحاجب في المسألتين ثلاثة مذاهب. قال: "الثاني: أن يحكم عقب علمه بصفة المحكوم, كقول الأعرابي: أفطرت يا رسول الله؟ فقال: "أعتق رقبة" 1؛ لأن صلاحية جوابه تغلب كونه جوابا. والسؤال معاد فيه تقديرا فالتحق بالأول. الثالث: أن يذكر وصفا لو لم يؤثر لم يفد مثل: " إنها من الطوافين عليكم" "ثمرة طيبة وماء طهور" وقوله: "أينقص الرطب إذا جفّ؟ " 2 قيل: نعم, قال: "فلا إذًا" 3 وقوله لعمر وقد سأله عن قبلة الصائم: "أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته؟ " 4 الرابع: أن يفرق في الحكم بين شيئين بذكر وصف مثل: "القاتل لا يرث"، وقوله عليه السلام: "إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم, يدا بيد" 5 قيد الخامس: النهي عن مفوت الواجب مثل {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] ". أقول: النوع الثاني من أنواع الإيماء: أن يحكم الشارع على شخص بحكم عقب علمه بصفة صدرت منه، كقول الأعرابي: واقعت أهلي في نهار رمضان يا رسول الله, فقال عليه الصلاة والسلام: "أعتق رقبة" فإنه يدل على أن الجماع علة في الإعتاق؛ لأنه قوله -عليه الصلاة والسلام: "أعتق" صالح لجواب ذلك السؤال, والكلام صالح لأن يكون جواب السؤال إذا ذكر عقب السؤال يغلب على الظن كونه جوابا له، وإذا كان جوابا يكون السؤال معادا فيه تقديرا، فكأنه قيل: واقعت فأعتق، وحينئذ فيلتحق بالنوع الأول وهو الترتيب, وتمثيل المصنف هنا بالإفطار غير مستقيم، والصواب التمثيل بالجماع كما قلنا. النوع الثالث من أنواع الإيماء: أن يذكر الشارع وصفا لو لم يؤثر في الحكم أي: لو لم يكن علة فيه لم يكن ذكره مفيدا، ثم مثل له المصنف بأربعة أمثلة إشارة إلى ما قاله في المحصول من كونه ينقسم إلى أربعة أقسام, الأول: أن يكون ذكره دافعا لسؤال أورده من توهم الاشتراك بين صورتين، كما روي أنه عليه الصلاة والسلام امتنع من الدخول على قوم عندهم كلب، فقيل له: إنك دخلت على قوم عندهم هرة، فقال -عليه الصلاة والسلام: "إنها ليست بنجسة, إنها من الطوافين عليكم والطوافات" فلو لم يكن طوافها علة لعدم النجاسة كان ذكره هنا عبثا، لا سيما وهو من الواضحات، فإن قيل: كيف جمع الهرة بالياء والنون مع أنها لا تعقل؟ قلنا: المراد أنها من جنس الطوافين والطوافات،