فإن أئمة اللغة قالوا: السلام للتعليل، وفي قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} [الأعراف: 179] وقول الشاعر:

..................... ... لدوا للموت وابنوا للخراب

للعاقبة مجازا, وإن مثل: "لا تقربوه طيبا، فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا" 1 وقوله -عليه السلام: "إنها من الطوافين عليكم والطوافات" 2 والباء مثل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159] ". أقول: النظر المتعلق بالعلة منحصر في ثلاثة أطراف؛ لأن الكلام إما في الطرق الدالة على العلية، أو في الطرق الدالة على إبطال العلية، أو في أقسام العلية، فأما الطرق الدالة على العلية فهي تسع؛ الأولى النص، قال الآمدي: وهو ما يدل بالوضع من الكتاب والسنة على علية وصف الحكم، وقسمه المصنف تبعا للإمام والآمدي إلى قاطع، وهو الذي لا يحتمل غير العلية، وظاهر وهو الذي يحتمل غيرها احتمالا مرجوحا, وفي التقسيم نظر؛ فإن دلالات الألفاظ لا تفيد اليقين عند الإمام كما تقدم غير مرة، وأيضا فقد ذكر المصنف وغيره في تقسيم الألفاظ أن الظاهر قسيم النص لا قسم منه، ثم إن القاطع له ألفاظ منها كي، كقوله تعالى في الفيء: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} [الحشر: 7] ، أي: إنما وجب تخميسه كي لا يتداوله الأغنياء بينهم، فلا يحصل للفقراء منه شيء، ومنها لأجل كذا أو من أجل كذا كقوله -صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الاستئذان لأجل البصر" وكقوله -عليه الصلاة والسلام: "إنما نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي لأجل الدافة" أي: لأجل التوسعة على الطائفة التي قدمت المدينة في أيام التشريق, والدافة بالدال المهملة مشتقة من الدفيف وهو السير اللين، ومنه قولهم: دفت علينا من بني فلان دافة, قال الجوهري: ومنها ما ذكره في المحصول، وهو قولنا: لعلة كذا، أو لسبب، أو لمؤثر، أو لموجب، وأهمله المصنف لأنه في معنى لأجل, ومنها إذن، وقد ذكرها ابن الحاجب. وأما الظاهر فثلاثة ألفاظ أحدها: اللام كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] , فإن أهل اللغة قد نصوا على أنه للتعليل، وقولهم: في الألفاظ حجة، وإنما لم يكن قاطعا لاحتماله الملك والاختصاص وغير ذلك من المعاني المذكورة في علم النحو، فإن قيل: لو كانت اللام للتعليل لم يستعمل فيما يصح فيه التعليل، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} فإن جهنم ليست علة في الخلق, وكقول الشاعر:

له ملك ينادي كل يوم ... لدوا للموت وابنوا للخراب

قال: الموت ليس علة للولادة، كذلك الخراب ليس علة للبناء، بل اللام هنا للعاقبة، يعني أن عاقبة البناء الخراب، وعاقبة الولادة الموت، وعاقبة كثير من المخلوقات جنهم، وأجاب المصنف بأنه لما ثبت كونها للتعليل وتعذر الحمل عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015